أن يجعلوا له تاريخ ملوك العجم منظوما ، وأقربهم إلى السلطان العنصري ، فطلبه الفردوسي فوجده في بستان ومعه الفرخي والعسجدي ، فذهب إليهم وسلّم وجلس عندهم فقالوا : نحن شعراء لا نجالس إلّا من كان مثلنا! فقال : أنا أيضا شاعر! فقالوا : أجز معنا هذا البيت :
قال العنصري :
جون روي تو خورشيذ نباشذ روشن
قال الفرخي :
مانند رخت كل نبود در كلشن
قال العسجدي :
مر كانت همي كذر كند بر جوشن
قال الفردوسي :
مانند سنان كيو در جنك بشن
فقالوا : ما أدراك بحال كيو وجنك بشن؟ قال : أنا عارف بوقائع ملوك العجم. فاستحسنوا ما أتى به الفردوسي ، وذكروه عند السلطان ، فأعطى السلطان لكلّ شاعر جزاء وأعطى للفردوسي أيضا جزاء. فرأوا شعر الفردوسي خيرا من شعرهم ، وكان شعر كلّ واحد لا يشابه شعر الآخر ، لأن شأنها كان فصيحا وشأنها كان ركيكا ، فقال : إني أتولّى نظم الكتاب كلّه ولا حاجة إلى غيري! فنظم الكتاب من أوّل زمان كيومرث ، وهو أوّل ملك ملك إلى زمان يزدجرد بن شهريار ، آخر ملوك العجم ، في سبعين ألف بيت مشتملا على الحكم والمواعظ والزواجر والترغيب والترهيب ، بعبارة فصيحة ، وحمل الكتاب إلى السلطان فأعجبه وأمر له بحمل فيل ذهبا. فقال الوزير : جائزة شاعر حمل فيل ذهبا كثير ، ألا حمل فيل فضة؟ وكان الفردوسي يطمع بمنصب رفيع