حكى الشيخ أبو الفتح عامر الساوي قال : كنت بمكّة سنة خمس وأربعين وخمسمائة ، فبينا أنا بين النوم واليقظة إذ رأيت عرضة عريضة فيها ناس كثيرون ، وفي يد كلّ واحد مجلّد يحلقون على شخص فقالوا : هذا رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم! وهؤلاء أصحاب المذاهب يعرضون مذاهبهم عليه. فبينا أنا كذلك إذ جاء واحد بيده كتاب قيل إنّه هو الشافعي ، فدخل وسط الحلقة وسلّم على رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، فردّ الجواب عليه وهو ، عليه السلام ، في ثياب بيض ، على زيّ أهل التصوّف ، فقعد الشافعي بين يديه وقرأ من كتاب مذهبه واعتقاده عليه ، ثمّ جاء بعده رجل آخر قالوا انّه أبو حنيفة ، وبيده كتاب ، فسلّم وقعد بجنب الشافعي وقرأ مذهبه واعتقاده ، ثمّ يأتي صاحب كلّ مذهب حتى لم يبق إلّا القليل ، وكلّ يقرأ ويقعد بجنب الآخر. ثمّ جاء واحد من الروافض وبيده كراريس غير مجلدة ، فيها مذهبهم واعتقادهم ، وهمّ أن يدخل الحلقة ، فخرج واحد ممّن كان عند رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، وأخذ الكراريس ورماها خارج الحلقة وطرده وأهانه. فلمّا رأيت أن القوم قد فرغوا قلت : يا رسول الله ، هذا الكتاب معتقدي ومعتقد أهل السنّة ، لو أذنت لي قرأت عليك. فقال ، صلّى الله عليه وسلّم : أي شيء ذلك؟
قلت : قواعد العقائد للغزالي. فأذن لي بالقراءة ، فقعدت وابتدأت : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله المبدىء المعيد ، الفعّال لما يريد ، ذي العرش المجيد ، والبطش الشديد ، الهادي صفوة العبيد إلى النهج الرشيد ، والملك الشديد ، المنعم عليهم بعد شهادة التوحيد ، بحراسة عقائدهم من ظلمات التشكيك والترديد ، إلى أن وصلت إلى قوله : وانّه تعالى بعث الأمي القرشي محمّدا ، صلّى الله عليه وسلّم ، إلى العرب والعجم كافة من الجنّ والانس ، فرأيت البشاشة في وجه رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم ، فالتفت إليّ وقال : أين الغزالي؟ كأنّه كان واقفا في الحلقة! فقال : ها أنا ذا يا رسول الله! فقدم وسلّم على رسول الله ، عليه السلام ، فردّ عليه الجواب وناوله يده المباركة. فصار الغزالي يقبّل