أوحى إلى داود : ابن لي بيتا. فقال : يا ربّ أين؟ قال : حيث ترى الملك شاهرا سيفه! فرأى داود ملكا على الصخرة بيده سيف ، فبنى هناك ، ولمّا فرغ سليمان من بنائها أوحى الله تعالى إليه : سلني أعطك! فقال : يا ربّ أسألك أن تغفر لي ذنبي! فقال : لك ذلك! قال : وأسألك أن تغفر لمن جاء هذا البيت يريد الصلاة فيه ، وأن تخرجه من ذنوبه كيوم ولد! فقال : لك ذلك! قال : وأسألك لمن جاءه فقيرا أن تغنيه! قال : ولك ذلك! قال : وأسألك إن جاءه سقيما أن تشفيه! قال : ولك ذلك.
وعن ابن عبّاس : البيت المقدس بنته الأنبياء وسكنته الأنبياء ، وما فيه موضع شبر إلّا وصلّى فيه نبيّ أو قام فيه ملك.
واتّخذ سليمان فيها أشياء عجيبة : منها قبّة ، وهي قبّة كانت فيها سلسلة معلّقة ينالها المحقّ ولا ينالها المبطل حتى اضمحلّت بالحيلة المعروفة ، ومنها أنّه بنى فيها بيتا وأحكمه وصقله ، فإذا دخله الورع والفاجر كان خيال الورع في الحائط أبيض ، وخيال الفاجر أسود.
ومنها أنّه نصب في زاوية عصا آبنوس ، من زعم صادقا أنّه من أولاد الأنبياء ومسّها لم يضرّه ، وإن لم يكن من أولاد الأنبياء إذا مسّها احترقت يده.
ثمّ ضرب الدهر ضربانه واستولت عليها الجبابرة وخربوها ، فاجتاز بها عزير ، عليه السلام ، فرآها خاوية على عروشها ، فقال : أنّى يحيي هذه الله بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام ثمّ بعثه ، وقد عمرها ملك من ملوك الفرس اسمه كوشك ، فصارت أعمر ممّا كانت وأكثر أهلا ، والتي عليها الآن أرضها وضياعها جبال شاهقة ، وليس بقربها أرض وطئة ، وزروعها على أطراف الجبال بالفؤوس لأن الدوابّ لا عمل لها هناك.
وأمّا نفس المدينة ففي فضاء في وسط ذلك ، وأرضها كلّها حجر ، وفيها عمارات كثيرة حسنة ، وشرب أهلها من ماء المطر. ليس فيها دار إلّا وفيها صهريج.
مياهها تجتمع من الدروب ، ودروبها حجريّة ليست كثيرة الدنس ، لكن مياهها