والتحريف وقع في المعاني ، بحيث قام البعض بتفسير أو توجيه بعض الآيات طبق ميوله النفسية ومنافعه الشخصية خلافاً للواقع.
ومن هنا تتضح مسألة مهمّة وهي : أنّ الروايات التي تتحدث عن التحريف إنّما تتحدث عن التحريف المعنوي والتفسير بالرأي ، وليس التحريف في العبارات والألفاظ.
ومن جهة أخرى نلاحظ أنّ هناك روايات عديدة ومعتبرة وصلتنا عن الأئمّة المعصومين عليهمالسلام تأمر بعرض الروايات على القرآن الكريم وخصوصاً عند تعارضها ؛ لأجل معرفة الروايات الصحيحة من غير الصحيحة ، فما وافق القرآن فهو صحيح ويجوز العمل به ، وما خالفه اتركوه : «اعرِضُوهُمَا عَلى كِتابِ اللهِ فَما وَافَق كِتَاب اللهِ فَخُذُوه ، ومَا خَالَف كِتاب اللهِ فَرُدُّوه» (١) ، فهذا دليل واضح على عدم وقوع التحريف في القرآن ؛ لأنّه في غير هذه الصورة لا يصبح معياراً لتشخيص الحق من الباطل.
وإضافة إلى كل هذا ، فقد ورد في حديث الثقلين المعروف والمنقول بكثرة في كتب أهل السنّة والشيعة أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله يقول :
«إِنِّي تَاركٌ فيكم الثِّقْلَيْنِ كِتابَ اللهِ وعِتْرَتِي أهْلَ بَيْتِي مَا إنْ تَمَسَّكْتُم بِهِمَا لنْ تَضِلُّوا» (٢).
إنّ هذا الحديث العظيم يدلّ بوضوح على أنّ القرآن الكريم بجانب عترة النبي صلىاللهعليهوآله ملجأ آمن لهداية الناس إلى يوم القيامة.
فإذا كان القرآن محرّفاً فكيف يمكن أن يكون ملجأً آمناً ، وهادياً للناس من الضياع والضلال (٣).
__________________
(١). وسائل الشيعة ، ج ١٨ ، ص ٨٠.
(٢). بحار الأنوار ، ج ٣٦ ، ص ٣٣١.
(٣). للمزيد من التوضيح يراجع كتابنا «أنوار الأصول» ، ج ٢ ، ص ٣٤٠ فصاعداً.