(وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) : أي ونادوا مالكا خازن النار قائلين له ليمتنا ربك.
(قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) : أي أجابهم بعد ألف سنة مضت على دعوتهم بقوله إنكم ماكثون أي مقيمون فى عذاب جهنم دائما.
(لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) : أي علة بقائكم أنا جئناكم بالحق على لسان رسولنا والحق التوحيد وعبادة الله بما شرع فكره أكثركم الحق.
(أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) : أي أحكموا فى الكيد للنبى محمد صلىاللهعليهوسلم فإنا محكمون كيدنا فى إهلاكهم.
(وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) : أي وملائكتنا من الحفظة يكتبون ما يسرون وما يعلنون.
معنى الآيات :
لما ذكر تعالى الجنة ونعيمها ذكر فى هذه الآيات النار وعذابها وهذا هو الترغيب والترهيب الذى امتاز به اسلوب القران فى الدعوة إلى الله تعالى وهداية الخلق إلى الإصلاح قال تعالى (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) (١) أى الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها بالشرك والمعاصى هؤلاء (فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ) ، (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) العذاب أى لا يخفف وهم فيه أى فى العذاب مبلسون أى ساكتون آيسون قانطون. وقال تعالى (وَما ظَلَمْناهُمْ) فى تعذيبنا لهم بهذا العذاب (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) ، حيث دسوا أنفسهم بالشرك والمعاصى.
وقوله تعالى : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ (٢) عَلَيْنا رَبُّكَ) يخبر تعالى ان أصحاب ذلك العذاب الدائم الذى لا يفتر فيخفف نادوا مالكا خازن النار وقالوا له ليمتنا ربك فنستريح من العذاب. فأجابهم مالك بعد ألف (٣) سنة قائلا قال أي ربى (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) أى فى عذاب جهنم ، وعلل لهذا الحكم بالمكث أبدا فقال : (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِ) أى أرسلنا إليكم رسولنا بالحق يدعوكم إليه وهو الإيمان والعمل الصالح المزكى للنفوس فكره أكثركم (٤) ذلك فلم تؤمنوا ولم تعملوا صالحا مؤثرين شهوات الدنيا على الآخرة فمتم على الشرك والكفر فهذا جزاء الكافرين.
__________________
(١) الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لأن سائلا بعد أن علم بحال أهل الإيمان والتقوى يسأل عن حال أهل الإجرام فأجيب بأن المجرمين الخ.
(٢) قال ابن مسعود وأبو الدرداء قرأ النبي صلىاللهعليهوسلم : ونادوا يا مال أي رخم الاسم المنادى بحذف الحرف الأخير منه وهو شائع في كلام العرب فيقال في مالك يا مال وفي حارث يا حار وفي فاطمة يا فاطم قال الشاعر :
يا حار لا أرثينّ منكم بداهية |
|
لم يلقها سوقة قبلي ولا ملك |
وقال آخر :
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل |
|
وان كنت قد أزمعت صرمي فأجملي |
(٣) روى هذا الترمذي وهناك رواية أخرى في ذكر المدة التي يجابون بعدها.
(٤) الذين كرهوا الحق هم الرؤساء حفاظا على مراكزهم وأما الاتباع فلم يكرهوا الحق ولكن اتبعوا الرؤساء فماتوا على الشرك والكفر فدخلوا النار معهم.