الملائكة والعزيز وعيسى عليهمالسلام من أنهم فى النار مع من عبدوهم ، وبرأ تعالى الملائكة والعزيز وعيسى لأنهم ما أمروا الناس بعبادتهم حتى يؤاخذوا بها ، وانما امر بعبادتهم الشيطان فالشيطان ومن عبدوهم هم الذين فى النار. وذكر تعالى شرف عيسى ومكانته وانه عبد أنعم عليه بالنبوة وجعله مثلا لبنى إسرائيل يستدلون به على قدرة الله تعالى إذ خلقه من غير أب كما خلق آدم من غير أب ولا أم وإنما خلقه من تراب ذكر رسالة عيسى عليهالسلام إلى بنى إسرائيل ليكون ذلك موعظة لكفار مكة فقال تعالى (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ) (١) أي جاء بنى إسرائيل مصحوبا بالبينات هى الإنجيل والمعجزات كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وما إلى ذلك ، قال لهم (قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ) أى النبوة من عند الله ، (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) من أحكام التوراة وأمور الدين إذا (فَاتَّقُوا اللهَ) (٢) يا بنى إسرائيل أي خافوا عقابه المترتب على معاصيه (وَأَطِيعُونِ) فيما أبلغكموه من أمر ونهى عن الله تعالى ، إن الله ربى وربكم أى إلهى وآلهكم لا إله إلا هو فاعبدوه بفعل محابه وترك مساخطه حبا فيه وتعظيما له ورهبة ورغبة. وقوله (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أى هذا الذى دعوتكم إليه من اتقاء الله ، وطاعة رسوله وعبادته وحده هو الطريق المستقيم الذى يفضى بسالكه إلى سعادة الدارين. قال تعالى : (فَاخْتَلَفَ (٣) الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) أي من بين بنى إسرائيل من يهود ونصارى فقالت طائفة من اليهود إفتراء أن عيسى ابن مريم ابن زنا وأمه بغي وقالوا ساحر. وقال النصارى : هو الله ، أو ابن الله ، أو ثالث ثلاثة. قال تعالى (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) أي مؤلم فتوعدهم الرب تعالى بالويل الذى هو واد يسيل فى جهنم بما يتجمع من صديد فروج أهل النار وأبدانهم من دماء وقروح وأوساخ وهو عذاب يوم القيامة الأليم توعد هؤلاء الظالمين بما قالوا فى عيسى عبد الله ورسوله عليهالسلام وقال تعالى : (هَلْ (٤) يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) أي ما ينظرون إلا الساعة لأنهم ما تابوا إلى الله ولا راجعوا الحق فيما قالوه فى عيسى بل أصروا : اليهود يصفونه بأخس الصفات والنصارى يصفونه بالألوهية التى هى حق الله رب عيسى ورب العالمين أن تأتيهم بغتة أي فجأة وهم لا يشعرون لأنهم مشغولون بالذرة والهدرجين والاستعمار والتجارة والانغماس فى الشهوات كما هو واقع ومشاهد اليوم. وصدق الله العظيم.
__________________
(١) قال بن عباس يريد إحياء الموتى وإبراء الأسقام وخلق الطير والمائدة وغيرها والإخبار بكثير من الغيوب.
(٢) أي اتقوا الشرك ولا تعبدوا إلا الله وحده ومن قال هذا فكيف يكون إلها يعبد وهو عبد يعبد ويوحد؟.
(٣) ومن اختلافاتهم التي نعيت عليهم اختلاف فرق النصارى من النسطورية والملكية واليعقوبية اختلفوا في عيسى فقالت النسطورية هو ابن الله وقالت اليعقوبية هو الله وقالت الملكية ثالث ثلاثة أحدهم الله قاله الكلبي وغيره.
(٤) الجملة مستأنفة بيانيا لما تقدم مما يثير في النفس تساؤلا فكان الجواب أن العذاب آت وأهله ما ينظرون إلا الساعة وأهل العذاب هم المختلفون من أهل الكتاب والمشركين إذ الجميع ظلموا بالشرك والكفر والتكذيب والآية تدعوهم إلى التوبة لينجوا من العذاب الأليم.