معنى الآيات :
بعد الفراغ من الحكم على أهل الموقف وذلك بأن حكم تعالى فيهم بحسب عملهم فوفّى كل عامل بعمله من كفر ومعاص ، أو إيمان وطاعة قال تعالى مخبرا عن مصير الفريقين (وَسِيقَ (١) الَّذِينَ كَفَرُوا) أي ساقتهم الملائكة بشدة وعنف لأنهم لا يريدون الذهاب (إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) أي جماعات ولفظ الزمرة مشتق من الزمر الذي هو الصوت إذ الغالب في الجماعة أن يكون لها صوت. وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها) إذ كانت مغلقة كأبواب السجون لا تفتح إلا عند المجيء بالسجناء ، (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) (٢) قبل الوصول إليها موبخين لهم (أَلَمْ يَأْتِكُمْ) (٣) (رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ) أي المبينة لكم الهدى من الضلال والحق من الباطل ، وما يحب ربكم من العقائد والأقوال والأعمال والصفات والذوات وما يكره من ذلك ، ويدعوكم إلى فعل المحاب لتنجوا وترك المكاره لتنجوا وتسعدوا. فأجابوا قائلين بلى أي جاءتنا بالذي قلتم (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) ونحن منهم فوجب لنا العذاب ، وعندئذ تقول لهم الملائكة (ادْخُلُوا (٤) أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها ، فَبِئْسَ) أي جهنم مثوى المتكبرين أي قبح مأوى المتكبرين في جهنم من مأوى.
وقوله تعالى : (وَسِيقَ الَّذِينَ (٥) اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ) وسوقهم هو سوق النجائب التي يركبونها فهو سوق لطف وتكريم إلى الجنة دار السّلام زمرا زمرة الجهاد وزمرة الصدقات وزمرة العلماء وزمرة الصلوات .... (حَتَّى إِذا جاؤُها) وقد فتحت (٦) أبوابها من قبل لاستقبالهم معززين مكرمين ، فقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم أي طابت أرواحكم بأعمالكم الطيبة فطاب مقامكم في دار السّلام فنعم التحية حيوا بها مقابل تأنيب وتوبيخ الزبانية لأهل النار. وقوله لهم فادخلوها أي الجنة حال كون خلودكم مقدرا لكم فيها. فقالوا بعد دخولهم الجنة ونزولها في
__________________
(١) هذا بيان توفية كل نفس عملها فيساق الذين كفروا إلى النار والذين آمنوا إلى الجنان والزمر جمع زمرة كظلمة وظلم وغرفة وغرف ، وهي جماعة بعد جماعة قال الشاعر :
وترى الناس إلى منزله |
|
زمرا تنتابه بعد زمرة |
(٢) الخزنة جمع خازن كسدنة وسادن.
(٣) الاستفهام للتقرير مع التوبيخ والتقريع.
(٤) قال وهب : تستقبلهم الزبانية بمقامع من حديد فيدفعونهم بمقامعهم فإنه ليقع في الدفعة الأولى بعدد ربيعة ومضر. قال تعالى (وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ).
(٥) سوق أهل النار طردهم إلى النار بالخزي والهوان كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان وسوق أهل الجنة سوق مراكبهم إلى دار السّلام إنهم لا يذهب بهم إلا راكبين وشتان ما بين السوقين.
(٦) قرأ نافع والجمهور فتحت بتشديد التاء في الأولى والثانية وقرأ حفص بالتخفيف ، والواو في قوله وفتحت واو الحال والجملة حالية في محل نصب.