(فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) : أي فكيف كان إنكارى عليهم بالعقوبة وإلا هلاك والجواب كان واقعا موقعه لم يخطئه بحال.
معنى الآيات :
ما زال السياق في عرض مواقف المشركين المخزية والتنديد بهم والوعيد الشديد لهم. قال تعالى (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ) أي مشركي قريش وكفارها (آياتُنا بَيِّناتٍ) أي يتلوها رسولنا واضحات الدلالة بينات المعاني فيما تدعو اليه من الحق وتندد به من الباطل. كان جوابهم أن قالوا : ما هذا إلّا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم. أي ما محمد الا رجل أي ليس بملك يريد أن يصدكم أي يصرفكم عما كان يعبد آباؤكم من الأوثان والأحجار. فسبحان الله أين يذهب بعقول المشركين أما يخجلون لما يقولون عما كان يعبد آباؤكم من الأصنام والأوثان ، إنه يصدهم حقا عن عبادة الأوثان ولكن إلى عبادة الرحمن. وقالوا أيضا ما أخبر تعالى به عنهم في قوله : (وَقالُوا : ما هذا إِلَّا إِفْكٌ) (١) أو كذب أفتراه أي اختلقه وتخرصه من نفسه أي قالوا في القرآن وما يحمل من تشريع وهدى ونور قالوا فيه إنه كذبه محمد صلىاللهعليهوسلم سبحان الله ما أشد سخف هؤلاء المشركين. وقالوا أيضا ما أخبر تعالى به عنهم في قوله (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي قالوا في الرسول وما جاءهم به من الدعوة إلى التوحيد والإصلاح (إِنْ هذا) أي ما هذا إلا سحر مبين ، وذلك لما رأوا من تأثير الرسول والقرآن في نفوسهم إذ كان يحرك نفوسهم ويهزها هزا.
بعد هذا العرض لمواقف المشركين قال تعالى : (وَما آتَيْناهُمْ) (٢) أي مشركي قريش (مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) أي اصروا على الشرك وما أعطيناهم من كتب يقرأونها فوجدوا فيها الإذن بالشرك أو مشروعيته فتمسكوا به ، (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) أي رسول فأجاز لهم الشرك أو سنه لهم فهم على سنته ، اللهم لا ذا ولا ذاك. فكيف إذا هذا الإصرار على الشرك وهو باطل لم ينزل به كتاب ولم يبعث به رسول (٣).
وقوله تعالى : (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (٤) أي من الأمم البائدة (وَما بَلَغُوا) أي ولم يبلغ
__________________
(١) ما هذا يعنون القرآن الكريم وكذا قولهم إن هذا إلا سحر فإنهم يعنون القرآن الكريم أيضا وإن بمعنى ما النافية والاسناد بعدها دال عليها.
(٢) الجملة حالية من ضمير قالوا ما هذا.
(٣) أي أنه ليس لهم ما يتثبتون به من أقل دليل وأدنى شبهه كما هي الحال عند أهل الكتاب إذ قالوا عندنا كتابنا وجاءتنا رسلنا أما المشركون فليس لهم من ذلك شيء.
(٤) في الآية تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم في تكذيبهم له صلىاللهعليهوسلم وتهديد لهم. التسلية في قوله (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) والتهديد في (فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) والفاء للتفريع أي في قوله فكذبوا رسلي.