وقوله تعالى (وَمِنَ الْجِنِ) أي وسخرنا من الجن من يعمل بين يديه أي أمامه وتحت رقابته يعمل له ما يريد عمله من أمور الدنيا. وذلك بإذن ربّه تعالى القادر على تسخير ما يشاء لمن يشاء. وقوله (وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ) أي ومن يعدل من الجن (عَنْ أَمْرِنا) أي عما أمرناهم بعمله وكلفناهم به (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) وذلك يوم القيامة (١). وقوله (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ) بيان لما في قوله (مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ) من محاريب قصور أو بيوت تكون ملاصقة للمسجد للتعبد فيها ، وتماثيل أي صور من نحاس أو خشب إذ لم تكن محرمة في شريعتهم وجفان جمع جفنة وهي القصعة الكبيرة تتسع لعشرة من الأكلة ، كالجواب أي في الكبر والجابية (٢) حوض يفرغ فيه ماء البئر ثم يسقى به الزرع أو قدور راسيات أي ويعملون له قدورا ضخمة لا تتحول بل تبقى دائما موضوعة على الأثافي ويطبخ فيها وهي في مكانها وذلك لكبرها ومعنى راسيات ثابتات على الأثافي.
وقوله تعالى (اعْمَلُوا) أي قلنا لهم اعملوا آل داود شكرا أي اعملوا الصالحات شكرا لله تعالى على هذا الإفضال والإنعام أي أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واطيعوا ربكم في أمره ونهيه يكن ذلك منكم شكرا لله على نعمه. روى أنه لما أمروا بهذا الأمر قال داود عليهالسلام لآله أيكم يكفيني النهار فإنى أكفيكم الليل فصلوا لله شكرا فما شئت أن ترى في مسجدهم راكعا أو ساجدا في أية ساعة من ليل أو نهار إلا رأيت. ويكفى شاهدا أن سليمان مات وهو قائم يصلى في المحراب. وقوله تعالى (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) هذا إخبار بواقع وصدق الله العظيم الشاكرون لله على نعمه قليل وفي كل زمان ومكان وذلك لإستيلاء الغفلة على القلوب من جهة ولجهل الناس بربهم وإنعامه من جهة أخرى.
وقوله تعالى في الآية (١٤) (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) أي توفيناه : ما دلهم على موته الا دابة في الأرض أي الأرضة المعروفة تأكل منسأته فلما أكلتها خر على الأرض ، وذلك أنه سأل ربّه أن يعمى خبر موته عن الجن ، حتي يعلم الناس أن الجن لا يعلمون الغيب كما هم يدعون ، فمات وهو متكىء على عصاه يصلى في محرابه ، والجن يعملون لا يدرون بموته فلما مضت مدة من الزمن وأكلت الأرضة المنسأة وخر سليمان على الأرض علمت الجن أنهم لو كانوا يعلمون الغيب لعلموا بموت سليمان ولما أقاموا مدة طويلة في الخدمة والعمل الشاق وهم لا يدرون. هذا معنى
__________________
(١) وجائز أن يكون هناك ملك بيده سوط من نار أو شهاب يضرب به الشيطان إن عصى سليمان كما روى عن السلف.
(٢) قال الشاعر :
تروح على آل المحلق جفنة |
|
كجايبة الشيخ العراقي تفهق |
أي لامتلائها.