الله عليه وسلم فتأثر لذلك ، لعدم القدرة على ما طلب منه وقعد في مشربة له واعتزلهن شهرا كاملا حتى أنزل الله تعالى آية التخيير وهي هذه (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ (١) الدُّنْيا وَزِينَتَها) من لذيذ الطعام والشراب وجميل الثياب وحلي الزينة ووافر ذلك كله فتعالين إلى مقام الرسول الرفيع (أُمَتِّعْكُنَ) المتعة المشروعة في الطلاق (وَأُسَرِّحْكُنَ) أي أطلقكن (٢) (سَراحاً جَمِيلاً) أي لا إضرار معه ، (وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي رضاهما (وَالدَّارَ الْآخِرَةَ) أي الجنة (فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ) أي هيأ وأحضر (لِلْمُحْسِناتِ) طاعة الله ورسوله (مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً) وهو المقامات العالية في حضرة النبي صلىاللهعليهوسلم في دار السّلام.
وخيّرهن صلىاللهعليهوسلم امتثالا لأمر الله في قوله (قُلْ لِأَزْواجِكَ) وبدأ بعائشة (٣) فقال لها : إني أريد أن أذكر لك أمرا فلا تقضي فيه شيئا حتى تستأمري أبويك أي تطلبين أمرهما في ذلك وقرأ عليها الآية فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة ، وتتابعن على ذلك فما اختارت منهنّ امرأة غير الله ورسوله والدار الآخرة فأكرمهن الله لذلك وأنزل على رسوله : (لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً)
وقوله تعالى (يا نِساءَ (٤) النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) أي بخصلة قبيحة ظاهرة كسوء عشرة النبي صلىاللهعليهوسلم فإن الله تعالى (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ) يوم القيامة لأنّ أذيّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أبواب الكفر والعياذ بالله تعالى. (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) أي وكان تضعيف العذاب على من أتت بفاحشة (٥) مبيّنة شيئا يسيرا على الله لا يعجزه حتى لا يفعله وهذا لأمرين الأول لأن أذيّة الرسول من أبواب الكفر والثاني لعلو مقامهن وشرفهن فإن ذا الشرف والمنزلة العالية يستقبح منه القبيح أكثر مما يستقبح من غيره.
__________________
(١) عامة أهل السنة والجماعة على أن الرجل إذا خير زوجته فاختارت الطلاق كان طلاقا أما إذا خيرها فاختارت عدم الطلاق فليس عليها شيء ولا يقع طلاق ما دامت لم تختره واختارت عدمه وهو البقاء.
(٢) معنى ارادة الحياة الدنيا ايثارك ما في الحياة الدنيا من متع وترف على الاشتغال بالطاعات والزهد في زينة الحياة الدنيا ومظاهرها الساحرة الخلابة.
(٣) نص الحديث : يا عائشة اني أريد أن اعرض عليك امرا أحبّ ألا تتعجلي فيه حتى تستشيري أبويك ، قالت : وما هو يا رسول الله؟ فتلى عليها الآية. قالت أفيك يا رسول الله استشير ابويّ! بل اختار الله ورسوله والدار الآخرة.
(٤) ناداهن الله تعالى بعنوان نساء النبي اعلان عن شرفهن وكمالهن بعد أن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
(٥) إذا اطلق لفظ الفاحشة معرفا بأل فهو الزنى ، وإذا ورد نكره فهو المعصية كما في هذه الآية.