معنى الآيات :
قوله تعالى (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ (١) مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) هذا شروع في ذكر غزوة بني قريظة إذ كانت بعيد غزوة الخندق في السنة الخامسة من الهجرة في آخر شهر القعدة وخلاصة الحديث عن هذه الغزوة أنه لما ذهب الأحزاب وعاد الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون إلى المدينة وكان بنو قريظة قد نقضوا عهدهم وانضموا إلى الأحزاب من المشركين عونا لهم على رسول الله والمؤمنين فلما ذهب الأحزاب وانصرف الرسول والمؤمنون من الخندق إلى المدينة فما راع الناس إلا ومنادي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينادي إلى بني قريظة فلا يصليّن أحدكم العصر إلا ببني قريظة وهي على أميال من المدينة وذلك أن جبريل أتى النبي صلىاللهعليهوسلم ظهر ذلك اليوم فقال يا رسول الله وضعت السلاح إن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة فقام رسول الله وأمر مناديا ينادي بالذهاب إلى بني قريظة وذهب رسول الله والمسلمون فحاصروهم قرابة خمس وعشرين ليلة وجهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب فقال لهم رسول الله أتنزلون على حكمي فأبوا فقال أتنزلون على حكم سعد بن معاذ (٢)؟ فقالوا نعم فحكمه فيهم فحكم بأن يقتل الرجال وتسبى الذراري والنساء وتقسم الأموال ، فقال الرسول صلىاللهعليهوسلم مقررا للحكم لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات. فحبسهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم في دار بنت الحارث من نساء بني النجار وخرج إلى سوق المدينة فحفر فيها خندقا ثم جيء بهم وفيهم حيي بن أخطب الذي حزّب الأحزاب وكعب بن أسد رئيس بني قريظة ، وأمر عليا والزبير بضرب أعناقهم وطرحهم في ذلك الخندق.
وبذلك انتهى الوجود اليهودي المعادي بالمدينة النبويّة. والحمد لله.
فقوله تعالى (وَأَنْزَلَ) أي الله تعالى بقدرته (الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) أي ظاهروا الأحزاب وكانوا عونا لهم على الرسول والمؤمنين وهم يهود بني قريظة (مِنْ صَياصِيهِمْ) (٣) أي أنزلهم من حصونهم الممتنعين بها ، (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) ولذا
__________________
(١) المظاهرون بفتح الهاء هم قريش وكنانة وغطفان والمظاهرون لهم هم بنو قريظة من أهل الكتاب.
(٢) كان سعد رضي الله عنه قد اصابه سهم في غزوة الخندق فوضعه رسول الله صلىاللهعليهوسلم في خيمة بالمسجد ليتمكن من زيارته وكان رضي الله عنه لما أصابه السهم دعا الله تعالى : اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فابقني لها وإن كنت أنهيت الحرب بيننا وبينهم فافجرها ، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة فاستجاب الله تعالى له وحكمه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيهم فحكم عليهم بأن تقتل مقاتليهم وتسبى نساؤهم وذراريهم.
(٣) الصياصي واحدها صيصة ، والمراد حصونهم التي يتمنعون بها. قال الشاعر :
فجئت إليه والرماح تنوشه |
|
كوقع الصياصي في النسيج الممدد |
والصيصة : شوكة الحائك وصياصي البقر قرونها لأنها تتمنع بها.