(يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ) : أي يمرون ماشين بديارهم وهي في طريقهم إلى الشام كمدائن صالح وبحيرة لوط ونحوهما.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) : أي دلائل وعلامات على قدرة الله تعالى وأليم عقابه.
(أَفَلا يَسْمَعُونَ) : أي أصمّوا فلا يسمعوا هذه المواعظ والحجج.
معنى الآيات :
قوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى (١) الْكِتابَ) أي أعطينا موسى بن عمران أحد أنبياء بني اسرائيل الكتاب الكبير وهو التوراة. إذا فلم ينكر عليك المشركون أن يؤتيك ربك القرآن كما آتى موسى التوراة ، وفي هذا تقرير لأصل من أصول العقيدة وهي الوحي والنبوة المحمدية. وقوله (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) (٢) أي فلا تكن يا محمد في شك (٣) من لقائك موسى ليلة الإسراء والمعراج فقد لقيه وطلب إليه أن يراجع ربّه في شأن الصلاة فراجع حتى أصبحت خمسا بعد أن كانت خمسين وقوله (وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) أي الكتاب أو موسى كلاهما كان هاديا لبني اسرائيل إلى سبيل السّلام والصراط المستقيم. وقوله (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً) أي قادة هداة يهدون الناس إلى ربهم فيؤمنون به ويعبدونه وحده فيكملون على ذلك ويسعدون وذلك بأمره تعالى لهم بذلك. وقوله (لَمَّا صَبَرُوا) أي عن أذى أقوامهم (٤) ، (وَكانُوا بِآياتِنا) الحاملة لأمرنا ونهينا ، ووعدنا ووعيدنا (يُوقِنُونَ) أي تأهلو لحمل رسالة الدعوة بشيئين : الصبر على الأذى واليقين التام بصحة ما يدعون إليه ونفعه ونجاعته وقوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ (٥) هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) يخبر تعالى رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم بأنه سبحانه وتعالى الذي يفصل بين المختلفين من الأنبياء وأممهم ، وبين الموحدين والمشركين والسّنيين والبدعيين فيحكم بإسعاد أهل الحق وإشقاء أهل الباطل وفي الآية تسلية للرسول وتخفيف عليه مما يجد في نفسه من خلاف قومه له.
__________________
(١) هذا الإخبار استطراد المراد به تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم والفاء في قوله فلا تكن للتقريع.
(٢) وجائز أن يكون المعنى فلا تكن في شك من أنك لقيته ليلة الاسراء والمعراج وقيل فلا تكن في شك من لقاء موسى الكتاب بالقبول وقيل فلا تكن في شك من أنه سيلقاك من الأذى والتكذيب ما لقيه موسى ، وما في التفسير هو الحق.
(٣) المرية : الشك والتردد والمقصود من النهي التثبيت كقوله (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ،) وليس النهي لطلب ترك الشك إذ لم يكن شك قط.
(٤) (لَمَّا صَبَرُوا) لما بمعنى حين صبروا عن أذى أقوامهم ، وقرأ خلاف الجمهور لما صبروا أي لأجل صبرهم جعلناهم أئمة ، فما مصدرية واللام قبلها لام التعليل.
(٥) هو ضمير فصل ومعنى يفصل يقضي ويحكم.