الروح في البدن فإن وجد في القلب حيي الجسم وان فارقه فالجسم ميت فلا العين تبصر الأحداث ولا الأذن تسمع الآيات. وقوله : (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً (١) مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٢) هذا من جملة قول إبراهيم لقومه وهو يعظهم ويرشدهم فأخبرهم بحقيقة يتجاهلونها وهي أنهم ما اتخذوا تلك الأوثان آلهة يعبدونها إلا لأجل التعارف عليها والتوادد والتحاب من أجلها ، فيقيمون الأعياد لها ويجتمعون حولها فيأكلون ويشربون لا أنهم حقيقة يعتقدون أنها آلهة وهي أحجار نحتوها بأيديهم ونصبوها تماثيل في سوح دورهم وأمام منازلهم (ويوم القيامة) أي في الآخرة فالعكس هو الذي سيحدث لهم حيث (يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ (٣) بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أي يكفر المتبوعون وهم الرؤساء بمن اتبعوهم وهم الأتباع من الدهماء وعوام الناس ، (وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) كل من الأتباع والمتبوعين يطلب بعد الآخر عنه ، وعدم الاعتراف به وذلك عند معاينة العذاب ولم تبق تلك الروابط والصلات التي كانت لهم في هذه الحياة!! وقوله : (وَمَأْواكُمُ (٤) النَّارُ) أي ومقركم الذي يؤويكم جميعا فتستقرون فيه هو النار (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) بعد أن أذلكم الله الذي أشركتم به أوثانا ، فجعلتموها مودة بينكم في الحياة الدنيا.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير أن الظّلمة سنتهم أنهم إذا أعيتهم الحجج يلجأون إلى استعمال القوة.
٢ ـ في عدم إحراق النار دليل على أن الله تعالى قادر على إبطال السنن إذا شاء ذلك ، ومن هنا تكون الكرامات والمعجزات إذ هى خوارق للعادات.
٣ ـ بيان أن الخرافيين في اجتماعهم على البدع لم يكن ذلك عن علم بنفع البدعة وإنما لعنصر التوادد والتعارف والتلاقي على الأكل والشرب كما قال إبراهيم لقومه (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).
__________________
(١) قرأ نافع مودّة بالتنوين منصوبا ، وقرأ حفص بدون تنوين منصوبا مضافا إلى الظرف ، وقرأ ابن كثير وغيره مودّة بالرفع مضاف إلى (بينكم) على أنه خبر إنّ وما : اسمها.
(٢) قال القرطبي : معنى الآية : جعلتم الأوثان تتحابون عليها في الحياة الدنيا.
(٣) قال القرطبي : تتبرأ الأوثان من عبادها ، والرؤساء من السفلة كما قال الله عزوجل : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).
(٤) قيل : يحشرون في النار الرؤساء والأتباع والأوثان كقوله تعالى (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) وقوله : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) وهي الأوثان التي كانت تعبد من دون الله عزوجل.