مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ) أمر رسوله أيضا أن يقول للمؤمنين يقيموا الصلاة وينفقوا من أموالهم سرا وعلانية ليتقوا بذلك عذاب يوم القيامة الذي توعد به الكافرين فقال : (قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) (١) أي يؤدوها على الوجه الذي شرعت عليه فيتموا ركوعها وسجودها ويؤدوها في أوقاتها المعينة لها وفي جماعة وعلى طهارة كاملة مستقبلين بها القبلة حتى تثمر لهم زكاة أنفسهم وطهارة أرواحهم (وَيُنْفِقُوا) (٢) ويوالوا الإنفاق في كل الأحيان (سِرًّا وَعَلانِيَةً ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ) وهو يوم القيامة (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) (٣) لا شراء فيحصل المرء على ما يفدي به نفسه من طريق البيع ، ولا خلة أي صداقة تنفعه ولا شفاعة إلا بإذن الله تعالى.
وقوله تعالى : (اللهُ (٤) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي انشأهما وابتدأ خلقهما (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) هو ماء الأمطار (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ) والحبوب (رِزْقاً لَكُمْ) (٥) تعيشون به وتتم حياتكم عليه (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ) (٦) أي السفن (لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) أي بإذنه وتسخيره تحملون عليها البضائع والسلع من إقليم إلى إقليم وتركبونها كذلك (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) الجارية بالمياه العذبة لتشربوا وتسقوا مزارعكم وحقولكم (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) (٧) لا يفتران أبدا في جريهما وتنقلهما في بروجهما لمنافعكم التي لا تتم إلا على ضوء الشمس وحرارتها ونور القمر وتنقله في منازله (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) الليل لتسكنوا فيه وتستريحوا والنهار لتعملوا فيه وتكسبوا أرزاقكم (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) (٨) مما أنتم في حاجة إليه لقوام حياتكم ، هذا هو الله المستحق لعبادتكم
__________________
(١) هي الصلوات الخمس : الصبح ، والظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء.
(٢) هي الزكاة ويدخل معها صدقة التطوع ، إذ الكلّ انفاق ، والسرية غالبا هي صدقة التطوع والعلانية هي الزكاة المفروضة
(٣) الخلال جمع خلة كقلة وقلال ، وهي المودة والصداقة والمنفي هنا هو آثارها بالنفع بالإرفاد والاسعاف بالثواب.
(٤) هذا استئناف واقع موقع الاستدلال على بطلان الشرك ووجوب التوحيد وما يترتب على ذلك من سعادة الموحدين وشقاء المشركين.
(٥) الرزق : القوت ، وهو كل ما يقتات به من أنواع الحبوب والخضر والفواكه واللحوم.
(٦) التسخير هو التذليل والتطويع ، وهو كناية عن كون الشيء قابلا للتصرف فيه.
(٧) الدّؤوب : مرور الشيء في العمل على عادة جارية لا تختلف وفعله : دأب يدأب دؤوبا على الشر : إذا استمر عليه ولم يقطعه.
(٨) (مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) أي : من كل مسؤول سألتموه شيئا فحذف مسؤول لدلالة الكلام عليه ، والمقابل محذوف أي : ومن كل ما لم تسألوه ، فإنّ هناك أشياء لم يسألها الإنسان ، وأعطاه الله تعالى إيّاها ، وهذا الحذف كقوله : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ ..) وسرابيل تقيكم البرد : فحذف.