(وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ) : أي بأن يظهر الإسلام على سائر الأديان ويحفظه من الزوال.
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في ذكر أحوال المنافقين فأخبر تعالى عنهم بقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ (١) جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي أقسموا للرسول صلىاللهعليهوسلم مبالغين في ذلك حتى بلغوا غاية الجهد قائلين لئن أمرتنا بالخروج إلى الجهاد لنخرجن معكم. وهنا أمر تعالى رسوله أن يقول لهم : (لا تُقْسِمُوا) (٢) أي ما هناك حاجة إلى الحلف وتأكيده ، وإنما هي طاعة منكم معروفة لنا تغنيكم عن الأيمان وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ (٣) بِما تَعْمَلُونَ) تأنيب لهم وتأديب حيث أخبرهم تعالى بأنه مطلع على أسرارهم وما يقولونه ويعملونه في الخفاء ضد الرسول والمؤمنين ثم أمر تعالى رسوله أن يقول لهم : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) في كل ما يأمران به وينهيان عنه ، (فَإِنْ (٤) تَوَلَّوْا) أي تعرضوا عن الطاعة وترفضوها ، فإنما على الرسول ما حمل من البلاغ والبيان ، وعليكم ما حملتم من وجوب الانقياد والطاعة ، ومن أخل بواجبه الذي أنيط به فسوف يلقى جزاءه وافيا عند ربه وقوله تعالى : (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) هذه الجملة عظيمة الشأن جليلة القدر للمؤمن أن يحلف بالله ولا يحنث على أن من أطاع رسول الله في أمره ونهيه لن يضل أبدا ولن يشقى فالهداية إلى كل خير كامنة في طاعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقوله تعالى : (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أي ليس على الرسول هداية القلوب ، وإنما عليه البلاغ المبين لا غير فلا تلحق الرسول تبعة من عصى فضلّ وهلك.
وقوله تعالى في الآية (٥٥) (وَعَدَ (٥) اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) أي صدقوا الله والرسول (وعملوا الصالحات) فأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وعدهم بأن يستخلفهم في الأرض أي يجعلهم خلفاء حاكمين في أهلها سائدين سكانها استخلافا كاستخلاف الذين من قبلهم من بني إسرائيل حيث أجلى الكنعانيين والعمالقة من أرض القدس وورثها بني إسرائيل وقول : (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) وهو الإسلام
__________________
(١) (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) أي : طاقة ما قدروا أن يحلفوا. والجهد : بفتح الهاء : منتهى الطاقة وهو : منصوب إمّا على الحال من أقسموا. أو على المفعول المطلق أي : جهدوا أيمانهم جهدا.
(٢) هنا تم الكلام ، ثم استئنف على تقدير : طاعة معروفة أولى من أيمانكم هذه المبالغين فيها.
(٣) جملة تذيلية تحمل التهديد لهم إذ هم كاذبون في أيمانهم وغير صادقين في أقوالهم وأعمالهم.
(٤) (فَإِنْ تَوَلَّوْا) : أصله : تتولوا حذفت التاء الأولى تخفيفا. وهو حذف شائع وسائغ.
(٥) قال مالك : هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، وقيل : هذه الآية تضمنت خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين وهو كذلك وصدق ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : (الخلافة بعدي ثلاثون سنة) وفي الآية دليل نبوة الرسول صلىاللهعليهوسلم وصحة دينه ، إذ تضمنت الآية إخبارا بالغيب فكان كما أخبر تعالى به.