القدرة واللطف الإلهي وقوله : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) (١) أي يقرب لمعان البرق الذي هو سناه يذهب بالأبصار التي تنظر إليه أي يخطفها بشدة لمعانه.
وقوله تعالى (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) بأن يظهر هذا ويخفي هذا فإذا ظهر النهار اختفى الليل ، وإذا ظهر الليل اختفى النهار فيقلب أحدهما على الآخر فيخفيه ويستره به وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) أي إن في إنزال البرد ولمعان البرق وتقليب الليل والنهار لعظة عظيمة لأولى البصائر تهديهم إلى الإيمان بالله وجلاله وكماله فيعبدونه ويوحدونه محبّين له معظمين راجعين خائفين إن هذه ثمرة الهداية هذا ما دلت عليه الآيتان الأولى (٤٣) والثانية (٤٤) أما الآية (٤٥) فقد اشتملت على أعظم مظهر من مظاهر القدرة الإلهية فقال تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ) (٢) أي من إنسان وحيوان (مِنْ (٣) ماءٍ) أي نطفة من نطف الإنسان والحيوان ، (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) كالحيات والثعابين والأسماك ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) كالإنسان والطير ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) كالأنعام والبهائم ، وقوله : (يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ) إذ بعض الحيوانات لها أكثر من أربع وقوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ (٤) قَدِيرٌ) أي على فعل وإيجاد ما يريده قدير لا يعجزه شيء فأين الله الخالق العليم الحكيم من تلك الأصنام والأوثان التي يؤلهها الجاهلون من أهل الشرك والكفر؟
وقوله تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ) أي واضحات لأجل هداية العباد إلى طريق سعادتهم وكمالهم وهي هذه الآيات التي اشتملت عليها سورة النور وغيرها من آيات القرآن الكريم فمن آمن بها ونظر فيها وأخذ بما تدعو إليه من الهدى اهتدى ، ومن أعرض عنها فضل وشقى فلا يلومن إلا نفسه ، (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) هدايته ممن رغب في الهداية وطلبها وسلك لها مسالكها (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ألا وهو الإسلام طريق الكمال والسعادة في الحياتين اللهم اجعلنا من أهله إنك قدير.
__________________
(١) السنا مصدر : لمعان البرق والسّناء ، ممدود : الرّفعة قال : ابن دريد :
زال السنا عن ناظري |
|
وزال عن شرف السناء |
فالسّنا الأول : الرفعة والثاني : ضوء البرق ، وجملة : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ) وصف ل : (سَحاباً).
(٢) فخرج الملائكة والجن إذ الملائكة خلقوا من نور والجن من النار.
(٣) تنكير ماء : لإرادة النوعية تنبيها على اختلاف صفات الماء لكل نوع من الدواب.
(٤) هذه الجملة ذكرت تذييلا وتعليلا.