معنى الآيات :
سبق أن ذكرنا أنه لقبح وفساد الزنى وسوء أثره على النفس والحياة البشرية وضع الشارع عدة أسباب واقية من الوقوع فيه ومنها الأمر بغض البصر للرجال والنساء فقوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا) (١) (مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) أي مر يا رسولنا المؤمنين بأن يغضوا من (٢) أبصارهم أي بأن يخفضوا أجفانهم على أعينهم حتى لا ينظروا إلى الأجنبيات عنهم من النساء ويحفظوا فروجهم عن النظر إليها فلا يكشفوها لأحد إلا ما كان من الزوج لزوجه فلا حرج وعدم النظر أولى وأطيب ، وقوله : (ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ) أي أطهر لنفوسهم من نوافل العبادات ، وقوله : (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ) فليراقبوه تعالى في ذلك المأمور به من غض البصر وحفظ الفرج إنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وقوله تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ) (٣) إذ شأنهن شأن الرجال في كل ما أمر به الرجال من غض البصر وحفظ الفرج وقوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) أي مرهن بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إظهار الزينة (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) مما لا يمكنها ستره وإخفاؤه كالكفين عند تناول شيء أو إعطائه أو العينين تنظر بهما وإن كان في اليد خاتم وحناء وفي العينين كحل وكالثياب الظاهرة من خمار على الرأس وعباءة تستر الجسم فهذا معفو عنه إذ لا يمكنها ستره.
وقوله تعالى : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ) كانت المرأة تضع خمارها على رأسها مسبلا على كتفيها فأمرت أن تضرب به على فتحات درعها حتى تستر العنق والصدر سترا كاملا وقوله : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) (٤) أعاد اللفظ ليرتب عليه ما بعده من المحارم الذي يباح للمؤمنة أن تبدي زينتها إليهم وهم الزوج ، والأب والجد وان علا وأب الزوج وإن علا وابنها وإن سفل وأبناء الزوج وإن نزلوا ، والأخ لأب أو الشقيق أو لأم وأبناؤه وأن نزلوا ، وابن الأخ
__________________
(١) غض البصر واحترام النساء بعدم النظر إليهن معروف في الجاهلية وهذا عنترة بن شداد يقول :
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي |
|
حتى يواري جارتي مأواها؟ |
لم يذكر الله تعالى ما يغض البصر من أجله للعلم به وهو : وجود النساء الأجنبيات ، وكذا ما يحفظ منه الفرج ، وهو : النظر إليه والزنى واللواط.
(٢) (مِنْ) جائز أن تكون زائدة في يغضوا أبصارهم ، وجائز أن تكون للتبعيض لجواز النظر إلى المحارم.
(٣) ورد في الأمر بغض البصر في السنة قوله صلىاللهعليهوسلم (إياكم والجلوس في الطرقات فقالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال : فإذا أبيتم إلا المجلس فاعطوا الطريق حقه قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال : غض البصر وكف الأذى ورد السّلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وقال لعلي رضي الله عنه (لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الثانية).
(٤) قال ابن عطية : ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية : أن المرأة بأن لا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ، ووقع الاستثناء فيما يظهر لحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه ، أو إصلاح شأن ونحو ذلك فيما ظهر على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه.