وقوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ (١) عاقَبَ) أي الأمر ذلك الذي بينت لكم ، (وَمَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ) أي ومن أخذ من ظالمه بقدر ما أخذ منه قصاصا ، ثم المعاقب ظلم بعد ذلك من عاقبه فإن المظلوم أولا وآخرا تعهد الله تعالى بنصره ، وقوله : (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) فيه إشارة إلى ترغيب المؤمن في العفو عن أخيه إذا ظلمه فإن العفو خير من المعاقبة وهذا كقوله تعالى (٢) (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) أي أن القادر على ادخال الليل في النهار والنهار في الليل بحيث إذ جاء أحدهما غاب الآخر ، وإذا قصر أحدهما طال الآخر والسميع لأقوال عباده البصير بأعمالهم وأحوالهم قادر على نصرة من بغي عليه من أوليائه. وقوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) أي المعبود الحق المستحق للعبادة ، وإن ما يدعون من دونه من أصنام وأوثان هو الباطل أي ذلك المذكور من قدرة الله وعلمه ونصرة أوليائه كان لأن الله هو الإله الحق وأن ما يعبدون من دونه من آلهة هو الباطل ، وأن الله هو العلى على خلقه القاهر لهم المتكبر عليهم الكبير العظيم الذي ليس شيء أعظم منه.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان فضل الهجرة في سبيل الله حتى إنها تعدل (٣) الجهاد في سبيل الله.
٢ ـ جواز المعاقبة بشرط المماثلة ، والعفو أولى من المعاقبة.
٣ ـ بيان مظاهر الربوبية من العلم والقدرة الموجبة لعبادة الله تعالى وحده وبطلان عبادة غيره.
٤ ـ إثبات صفات الله تعالى : العلم والحلم والمغفرة والسمع والبصر والعفو والعلو على الخلق والعظمة الموجبة لعبادته وترك عبادة من سواه.
__________________
(١) (ذلِكَ) : في محل رفع على الخبرية ، والمبتدأ مقدّر كما في التفسير. أي : الأمر ذلك الذي قصصنا عليك والآية نزلت في حادثة خاصة قاتل فيها المسلمون في الشهر الحرام فحزنوا لذلك ، وكان قتالهم اضطراريا لأنّ المشركين هم البادئون.
(٢) الآية من سورة الشورى.
(٣) والرباط : كالهجرة ، والجهاد ، فقد روي عن سلمان الفارسي أنه مرّ برجال مرابطين على حصن ببلاد الروم. وطال حصارهم للحصن ، وإقامتهم عليه فقال لهم : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : (من مات مرابطا أجرى الله تعالى عليه مثل ذلك الأجر وأجرى عليه الرزق وأمن من الفتانين) واقرأوا إن شئتم : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا) الآية.