الْأَنْعامُ) أي الإبل والبقر والغنم أحل الله تعالى لكم أكلها والانتفاع بها وقوله تعالى : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) تحريمه كما جاء في سورة البقرة والمائدة والأنعام ، ومن ذلك قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) وقوله : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ (١) مِنَ الْأَوْثانِ) أي اجتنبوا عبادة الأوثان فإنها رجس فلا تقربوها بالعبادة ولا بغيرها غضبا لله وعدم رضا بها وبعبادتها ، وقوله : (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) وهو الكذب مطلقا وشهادة الزور وأعظم الكذب ما كان على الله بوصفه بما هو منزه عنه أو بنسبه شيء إليه كالولد والشريك وهو عنه منزه ، أو وصفه بالعجز أو بأي نقص وقوله : (حُنَفاءَ (٢) لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ) أي موحدين لله تعالى في ذاته وصفاته وعباداته مائلين عن كل الأديان إلى دينه الإسلام ، غير مشركين به أي شيء من الشرك أو الشركاء وقوله تعالى : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) إلها آخر فعبده أو صرف له بعض العبادات التي هي لله تعالى فحاله في خسرانه وهلاكه هلاك من خرّ من السماء أي سقط منها بعد ما رفع إليها فتخطفه الطير أي تأخذه بسرعة وتمزقه أشلاء كما تفعل البازات والعقبان بصغار الطيور ، أو تهوى به الريح في مكان سحيق بعيد فلا يعثر عليه أبدا فهو بين أمرين إما اختطاف الطير له أو هوى الريح به فهو خاسر هالك هذا شأن من يشرك بالله تعالى فيعبد معه غيره بعد أن كان في سماء الطهر والصفاء الروحي بسلامة فطرته وطيب نفسه فانتكس في حمأة الشرك والعياذ بالله وقوله تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ (٣) شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى (٤) الْقُلُوبِ) أي الأمر ذلك من تعظيم حرمات الله واجتناب قول الزور والشرك وبيان خسران المشرك ومن يعظم شعائر الله وهي أعلام دينه من سائر المناسك وبخاصة البدن التي تهدى للحرم وتعظيمها باستحسانها واستسمانها ناشىء عن تقوى القلوب فمن عظمها طاعة لله تعالى وتقربا إليه دل ذلك
__________________
(١) (الرِّجْسَ) : الشيء القذر ، والوثن : التمثال من خشب أو حديد وغيرهما ومن : كونها لابتداء الغاية أولى ليعم الأمر اجتناب كل رجس في اعتقاد أو قول أو عمل إذ كل الأنجاس محرّمة.
(٢) لفظ : حنفاء : من الأضداد يقع على الاستقامة والميل معا ، ومعناها مائلين عن الشرك إلى التوحيد ، وعن الأديان إلى الإسلام.
(٣) الشعائر : جمع شعيرة : وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر عباده به وأعلمهم ، والشعار : العلامة ، ومنه شعار الحرب وإشعار : البدنة لتعلم أنها مهداة للحرم ، فشعائر الله : أعلام دينه لا سيما المناسك وما يتعلّق بها.
(٤) أضيفت التقوى إلى القلوب لأنّ حقيقة التقوى في القلب ، والتقوى من الخوف والخوف في القلب ويشهد لهذا قوله صلىاللهعليهوسلم : (التقوى ها هنا) وأشار إلى صدره ثلاث مرات.