(وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (١) مما قد يحل بهم من البلاء وقوله تعالى : (وَزَكَرِيَّا) أي اذكر يا رسولنا زكريا في الوقت الذي نادى ربه داعيا ضارعا قائلا : (رَبِ) أي يا رب (لا تَذَرْنِي فَرْداً) أي لا تتركني فردا لا ولد لي يرثني في نبوتي وعلمي وحكمتي ويرث ذلك من آل يعقوب حتى لا تنقطع منهم النبوة والصلاح وقوله : (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) ذكر هذا اللفظ توسلا به إلى ربه ليستجيب له دعاءه واستجاب له والحمد لله. فوهبه يحيى وأصلح له زوجه بأن جعلها ولودا بعد العقر حسنة الخلق والخلق. وقوله تعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ) أي زكريا ويحيى ووالدته كانوا يسارعون في الطاعات والقربات أي في فعلها والمبادرة إليها. وقوله : (وَيَدْعُونَنا رَغَباً (٢) وَرَهَباً) (٣) هذا ثناء عليهم أيضا إذ كانوا يدعون الله رغبة فى رحمته ورهبة وخوفا من عذابه وقوله : (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) أي مطيعين ذليلين متواضعين وهم يعبدون ربهم بأنواع العبادات.
وقوله تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ (٤) فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا) (٥) أي واذكر يا نبينا تلك المؤمنة التي أحصنت فرجها أي منعته مما حرم الله تعالى عليها وهي مريم بنت عمران اذكرها في عداد من أنعمنا عليهم وأكرمناهم وفضلناهم على كثير من عبادنا الصالحين ، حيث نفخنا فيها من روحنا إذ أمرنا جبريل روح القدس ينفخ في كم درعها فسرت النفخة إلى فرجها فحبلت وولدت في ساعة من نهار ، وقوله تعالى : (وَجَعَلْناها وَابْنَها) أي عيسى كلمة الله وروحه (آيَةً) أي (٦) علامة كبرى على وجودنا وقدرتنا وعلمنا وحكمتنا وإنعامنا وواجب عبادتنا وتوحيدنا فيها حيث لا يعبد غيرنا (لِلْعالَمِينَ) أي للناس أجمعين
__________________
(١) قرأ ابن عامر : نجيّ بنون واحدة وجيم مشدّدة وتسكين الياء على الماضي وإضمار المصدر أي : وكذلك نجيّ النجاء المؤمنين كما يقال : ضرب زيدا بمعنى : ضرب الضرب زيدا.
(٢) قيل : الرغب : الدعاء ببطون الأكف إلى السماء ، والرهب : رفع ظهورهما. روى الترمذي عن عمر رضي الله عنهما قال : (كان النبي صلىاللهعليهوسلم إذا رفع يديه لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه) وروى الترمذي أيضا عن أنس رضي الله عنه أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورهما وامسحوا بهما وجوهكم). وعن ابن عباس : إن رفع اليدين حذاء الصدر هو الدعاء ورفعهما حتى يجاوز بهما الرأس : فهو الابتهال.
(٣) (رَغَباً وَرَهَباً) يصح نصبهما على المصدرية وعلى الحال ، وعلى المفعول لأجله.
(٤) (أَحْصَنَتْ فَرْجَها) : أي : عفّت فامتنعت عن الفاحشة ، وقيل : إن المراد من فرجها فرج القميص : أي لم تعلق بثيابها ريبة أي : أنها طاهرة الأثواب وفروج القميص أربعة : الكمان والأعلى والأسفل ، قال السهيلي : هذا من لطيف الكناية لأنّ القرآن ألطف إشارة وأنزه عبارة.
(٥) إضافة الروح إلى الله تعالى : إضافة تشريف كبيت الله ، وقيل فيه : روح الله لأنه مبعوث من قبله سبحانه وتعالى.
(٦) آية اسم جنس فمريم آية ، وعيسى عليهالسلام آية.