على الوعد والوعيد أنزلنا القرآن بلغة العرب ليفهموه ويهتدوا به (وَصَرَّفْنا فِيهِ (١) مِنَ الْوَعِيدِ) أي بينا فيه من أنواع الوعيد وكررنا فنون العذاب الدنيوي والأخروى لعل قومك أيها الرسول يتقون ما كان سببا في اهلاك الأمم السابقة وهو الشرك والتكذيب والمعاصي (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ (٢) ذِكْراً) أي يوجد لهم ذكرا في أنفسهم فيتعظون فيتوبون من الشرك والتكذيب للرسول ويطيعون ربهم فيكملون ويسعدون هذا ما دلت عليه الآية الأولى (١١٣).
وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ) فإن الله تعالى يخبر عن علوه عن سائر خلقه وملكه لهم وتصرفه فيهم وقهره لهم ، ومن ثمّ فهو منزّه عن الشريك والولد وعن كل نقص يصفه به المفترون الكذابون.
وقوله : (وَلا تَعْجَلْ (٣) بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) يعلّم تعالى رسوله كيفية تلقي القرآن عن جبريل عليهالسلام فيرشده إلى أنه لا ينبغي أن يستعجل في قراءة الآيات ولا في إملائها على أصحابها ولا في الحكم بها حتى يفرغ جبريل من قراءتها كاملة عليه وبيان مراد الله تعالى منها في إنزالها عليه. وطلب إليه أن يسأله المزيد من العلم بقوله : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) ، وفيه إشعار بأنه دائما في حاجة إلى المزيد ، ولذا فلا يستعجل ولكن يتريث ويتمهل ، وهذا علماء أمته أحوج إليه منه صلىاللهعليهوسلم فالاستعجال في الفتيا وفي إصدار الحكم كثيرا ما يخطىء صاحبهما.
وقوله تعالى : (وَلَقَدْ (٤) عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ (٥) وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (٦) يقول تعالى مخبرا رسوله والمؤمنين ولقد وصينا آدم من قبل هذه الأمم التي أمرناها ونهيناها فلم يطع أكثرها وصيناه بأن لا يطيع عدوه ابليس وأن لا يأكل من الشجرة فترك وصيتنا ناسيا لها غير مبال بها
__________________
(١) التصريف : التنويع والتفنين ، والوعيد هنا للتهديد.
(٢) لعله يحدث لهم ذكرا : فيه بيان أنهم قبل نزول القرآن وسماعه لم يكونوا يذكرون الله في توحيده ولا في وعده ووعيده ولا في شرعه وأحكامه.
(٣) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ من الوحي حرصا منه صلىاللهعليهوسلم على الحفظ وشفقة على القرآن مخافة النسيان فنهاه تعالى عن ذلك فأنزل : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ) وقال الحسن نزلت هذه الآية في رجل لطم وجه امرأته فجاءت إلى النبي صلىاللهعليهوسلم تطلب القصاص فجعل النبي صلىاللهعليهوسلم لها القصاص فنزل : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) وأبى الله ذلك. ولهذا قال له : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) صلىاللهعليهوسلم وفي هذه الجملة الأخيرة إشارة إلى أن حرصه في حفظ القرآن محمود.
(٤) قال ابن زيد : نسي ما عهد الله إليه في ذلك ، ولو كان له عزم ما أطاع عدوّه إبليس.
(٥) العهد المنسي هو ما جاء في قوله تعالى : (فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ) من هذه السورة.
(٦) فسر العزم بالصبر والثبات أمام الإغراء.