معنى الآيتين :
لنزول هاتين الآيتين سبب وهو ما روى واستفاض أن الوحي تأخر عن النبي صلىاللهعليهوسلم والذي يأتي بالوحي جبريل عليهالسلام فلما جاء بعد بطء قال له النبي صلىاللهعليهوسلم ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فأنزل الله تعالى قوله : جوابا لسؤال النبي صلىاللهعليهوسلم : (وَما نَتَنَزَّلُ) (١) أي نحن الملائكة وقتا بعد وقت على من يشاء ربنا (إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) أيها الرسول أي إلا بإذنه لنا فليس لأحد منا أن ينزل من سماء إلى سماء أو إلى أرض إلا بإذن ربنا عزوجل ، (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ) أي له أمر وعلم ما بين أيدينا أي ما أمامنا من أمور الآخرة وما خلفنا أي مما مضى من الدنيا علما وتدبيرا ، وما بين ذلك إلى يوم القيامة علما وتدبيرا ، وما كان ربك عزوجل يا رسول الله ناسيا (٢) لك ولا تاركا فإنه تعالى لم يكن النسيان وصفا له فينسى.
وقوله تعالى : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) يخبر تعالى رسوله بأنه تعالى مالك السموات والأرض وما بينهما والمتصرف فيهما فكل شيء له وبيده وفي قبضته وعليه (فَاعْبُدْهُ) أيها الرسول بما أمرك بعبادته به (وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) (٣) إي تحمل لها المشاق ، فإنه لا إله إلا هو ، ف (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (٤) أي نظيرا أو مثيلا والجواب لا : إذا فاعبده وحده وتحمل في سبيل ذلك ما استطعت تحمله. فإنه لا معبود بحق إلا هو إذ كل ما عداه مربوب له خاضع لحكمه وتدبيره فيه.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين :
١ ـ تقرير سلطان الله على كل الخلق وعلمه بكل الخلق وقدرته على كل ذلك.
__________________
(١) روى البخاري أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال لجبريل عليهالسلام : (ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزلت : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) الآية ، وقال مجاهد : أبطأ الملك على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثمّ أتاه فقال : ما الذي أبطأك؟ قال : كيف نأتيكم وأنتم لا تقصّون أظفاركم ولا تأخذون من شواربكم ولا تنقون رواجبكم ولا تستاكون. قال مجاهد : فنزلت الآية في هذا والمراد بالمعيب عليهم : بعض المؤمنين لا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فحاشاه أن يكون معيبا وهو على أكمل الأحوال.
(٢) هذا تفسير لقوله تعالى : (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) أي : ناسيا إذا شاء أن يرسل إليك أرسل.
(٣) أي : لطاعته ، واللام بمعنى : على أي : على طاعته ، ولا تحزن لتأخّر الوحي عنك ، وأصل اصطبر : اصتبر فقلبت التاء طاء تخفيفا في النطق.
(٤) ولذا إجماع أهل الإسلام من عهد آدم أنه لا يجوز أن يسمى مخلوق باسم الله عزوجل «الله».