(إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) : أي إماما جامعا لخصال الخير كلها قدوة يقتدى به في ذلك.
(قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً) : أي مطيعا لله حنيفا : مائلا إلى الدين القيم الذي هو الإسلام.
(اجْتَباهُ) : أي ربه اصطفاه للخلة بعد الرسالة والنبوة.
(وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) : هي الثناء الحسن من كل أهل الأديان السماوية.
(إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) : أن اليهود أمروا بتعظيم الجمعة فرفضوا وأبوا إلا السبت ففرض الله عليهم ذلك وشدد لهم فيه عقوبة لهم.
معنى الآيات :
بعد ما نددت الآيات في سياق طويل بالشرك وإنكار البعث والنبوة من قبل المشركين الجاحدين المعاندين ، وقد أوشك سياق السورة على الانتهاء فتح الله تعالى باب التوبة لهم وقال : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ) أي بالمغفرة والرحمة (لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ (١) بِجَهالَةٍ) فأشركوا بالله غيره وأنكروا وحيه وكذبوا بلقائه (ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) فوحدوه تعالى بعبادته وأقروا بنبوة رسوله وآمنوا بلقائه واستعدوا له بالصالحات (وَأَصْلَحُوا) ما كانوا قد أفسدوه من قلوبهم وأعمالهم وأحوالهم (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) من بعد هذه التوبة (٢) والأوبة الصحيحة (لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) بهم. فكانت بشرى لهم على لسان كتاب ربهم. وقوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ (٣) كانَ (٤) أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً ، وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ (٥) مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) إنه لما كان من شبه المشركين انهم على دين أبيهم ابراهيم باني البيت وشارع المناسك ومحرم الحرم ، واليهود والنصارى كذلك يدعون أنهم على ملة إبراهيم فأصر الجميع على أنه متبع لملة إبراهيم وأنه على دينه ورفضوا الإسلام بدعوى ما هم عليه هو دين الله الذي جاء به إبراهيم أبو الأنبياء عليه
__________________
(١) الجهالة : انتفاء العلم بما يجب أن يعلم ، والمراد بجهالتهم : جهالتهم بأدلة الشرع المحرّمة للشرك والكفر والفساد ، والموجبة للتوحيد وطاعة الله ورسوله. والباء : في (بِجَهالَةٍ) : للملابسة وهي في موضع الحال من ضمير عملوا.
(٢) وجائز أن يعود الضمير على الجهالة أيضا كما جائز أن يعود على التوبة.
(٣) (إِنَّ إِبْراهِيمَ) ؛ هذه الجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا لغرض التنويه بدين الإسلام الذي هو دين ابراهيم من قبل.
(٤) الأمّة : الجامع للخير ، والقانت : المطيع لله تعالى ، والحنيف : المائل إلى الحق المجانب للباطل.
(٥) في الآية الدليل على جواز اتباع الأفضل للمفضول ولا تبعة على الفاضل أي : لا غضاضة عليه ولا مساس بمقامه