فليأكل ما يدفع به غائلة الجوع ولا إثم عليه (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فيغفر للمضطر كما يغفر للتائب ويرحم المضطر فيأذن له في الأكل دفعا للضرر رحمة به كما يرحم من أناب إليه.
وقوله : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ (١) هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) أي ينهاهم عن التحريم والتحليل من تلقاء أنفسهم بأن يصفوا الشيء بأنه حلال أو حرام لمجرد قولهم بألسنتهم الكذب : هذا حلال وهذا حرام كما يفعل المشركون فحللوا وحرموا بدون وحي إلهي ولا شرع سماوي. ليؤول قولهم وصنيعهم ذلك الى الإفتراء على الله والكذب عليه. مع أن الكاذب على الله لا يفلح أبدا لقوله (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتاعٌ قَلِيلٌ) (٢) وإن تمتعوا قليلا في الدنيا بمال أو ولد أو عزة وسلطان فإن ذلك متاع قليل جدا ولا يعتبر صاحبه مفلحا ولا فائزا. فإن وراء ذلك العذاب الآخروي الأليم الدائم الذي لا ينقطع. وقوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) يخاطب الله تعالى رسوله فيقول : كما حرمنا على هذه الأمة المسلمة الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ، حرمنا على اليهود ما قصصنا عليك من قبل في سورة الأنعام. إذ قال تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ (٣) هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ). وحرم هذا الذي حرم عليهم بسبب ظلم منهم فعاقبهم الله فحرم عليهم هذه الطيبات التي أحلها لعباده المؤمنين. ولذا قال تعالى (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ يجب مقابلة النعم بالشكر فمن غير العدل أن يكفر العبد نعم الله تعالى عليه فلا يشكره عليها بذكره وحمده وطاعته بفعل محابه وترك مساخطه.
__________________
(١) (الْكَذِبَ) منصوب على المفعولية المطلقة أي : مطلق الكذب.
(٢) جملة : (مَتاعٌ قَلِيلٌ) جملة بيانية في جواب قول من قال : كيف لا يفلحون وهم يمتعون بالطعام والشراب والنساء والأموال؟ فأجيب بأنّ هذا متاع قليل جدّا بالنظر إلى ما في الآخرة.
(٣) تقديم الجار والمجرور : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا) للاهتمام وللاشارة إلى أنّ ذلك التحريم كان انتقاما منهم ولم يكن شرعا لإكمالهم وإسعادهم.