لا يأتي بخير ، وقد يأتي بشر ، أمّا النفع والخير فلا يحصل منه شيء.
وهذا مثل الأصنام التي تعبد من دون الله إذ هي لا تسمع ولا تبصر فلا تفهم ما يقال لها ، ولا تفهم عابديها شيئا وهي محتاجة إليهم في صنعها ووضعها وحملها وحمايتها. وقوله تعالى (هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو الله تعالى يأمر بالعدل أي بالتوحيد والاستقامة في كل شيء ، وهو قائم على كل شيء ، وهو على صراط مستقيم يدعو الناس إلى سلوكه لينجوا ويسعدوا في الدارين ، فالجواب ، لا يستويان بحال ، فكيف يرضى المشركون بعبادة وولاية الأبكم الذي لا يقدر على شيء ويتركون عبادة السميع البصير ، القوي ، القدير ، الذي يدعوهم إلى كمالهم وسعادتهم في كلتا حياتهم ، أمر يحمل على العجب ، ولكن لا عجب مع أقدار الله وتدابير الحكيم العليم.
وقوله تعالى في الآية (٧٧) (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ (١) وَالْأَرْضِ) وحده يعلم ما غاب عنا فيهما فهو يعلم من كتبت له السعادة ومن حكم عليه بالشقاوة ، ومن يهتدي ومن لا يهتدي ، والجزاء آت بإتيان الساعة (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ) (٢) أي إتيانها (إِلَّا كَلَمْحِ (٣) الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) (٤) إذ لا يتوقف أمرها الا على كلمة (كُنْ) فقط فتنتهي هذه الحياة بكل ما فيها ، وتأتي الحياة الأخرى وقد تبدلت صور الأشياء كلها (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومن ذلك قيام القيامة ، ومجيء الساعة. وقوله تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا (٥) تَعْلَمُونَ (٦) شَيْئاً) حقيقة لا تنكر ، الله الذى أخرجنا من بطون أمهاتنا بعد أن صورنا في الأرحام ونمانا حتى صرنا بشرا ثم أذن بإخراجنا ، فأخرجنا ، وخرجنا لا نعلم شيئا قط ، هذه آية القدرة الإلهية والعلم الإلهي والتدبير الإلهي ، فهل للأصنام شيء من ذلك ، والجواب لا ، لا وثانيا جعل الله تعالى لنا الأسماع والأبصار والأفئدة نعمة أخرى ، إذ لو لا ذلك ما سمعنا ولا أبصرنا ولا عقلنا وما قيمة حياتنا يومئذ ، إذ العدم خير منها. وقوله :
__________________
(١) (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : اللام لام الملك ، والغيب مصدر بمعنى اسم الفاعل أي : الأشياء الغائبة ، والغيب. ما غاب عن أعين الناس.
(٢) (السَّاعَةِ) : هي الوقت الذي تقوم فيه القيامة ، سميت ساعة لأنها تفجأ الناس في ساعة فيموت الخلق بصيحة.
(٣) اللّمح : النظر بسرعة يقال لمحه لمحا ولمحانا.
(٤) ليس (أَوْ) للشك وإنما هي بمعنى بل الانتقالية من شيء إلى آخر كقوله (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) أي : بل يزيدون.
(٥) البطون : جمع بطن وهو ما بين ضلوع الصدر إلى العانة ، وفيه الأمعاء والمعدة والكبد والرحم.
(٦) الشكر : الاعتراف بالنعمة لله وحمده عليها وصرفها فيما يرضيه تعالى.