بَعْضَكُمْ عَلى (١) بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) فمنكم من أغناه ومنكم من أفقره أيها الناس ، (٢) وقد يكون لأحدكم أيها الأغنياء عبيد مملوكين له ، لم لا يرضى أن يشرك عبيده في أمواله حتى يكونوا فيها سواء لا فضل لأحدهما على الآخر؟ والجواب أنكم تقولون في استنكار عجيب كيف أسوّي مملوكي في رزقي فأصبح وإياه سواء؟ هذا لا يعقل أبدا! إذا كيف جوزتم إشراك آلهتكم في عبادة ربكم وهي مملوكة له تعالى إذ هو خالقها وخالقكم ومالك جميعكم؟ فأين يذهب بعقولكم أيها المشركون؟ وقوله تعالى (أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ؟) حقا إنهم جحدوا نعمة العقل أولا فلم يعترفوا بها فلذا لم يفكروا بعقولهم ، ثم جحدوا نعمة الله عليهم في خلقهم ورزقهم فلم يعبدوه بذكره وشكره وعبدوا غيره من أصنام وأوثان لا تملك ولا تضر ولا تنفع. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٧١) أما الآية الثانية فيقول تعالى فيها مقررا إنعامه تعالى على المشركين بعد توبيخهم على إهمال عقولهم في الآية الأولى وكفرهم بنعم ربهم فيقول : (وَاللهُ) أي وحده (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ (٣) أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي جعل لكم من أنفسكم أزواجا (٤) أي بشريّات من جنسكم تسكنون إليهنّ وتتفاهمون معهن وتتعاونون بحكم الجنسية الآدمية وهي نعمة عظمى ، وجعل لكم من أولئك الأزواج بنين بطريق التناسل والولادة وحفدة أيضا والمراد من الحفدة كل من يحفد أي يسرع في خدمتك وقضاء حاجتك من زوجتك وولدك وولد ولدك وختنك أي صهرك ، وخادمك إذ الكل يحفدون لك أي يسارعون في خدمتك بتسخير الله تعالى لك ، وثالثا (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي حلال الطعام والشراب على اختلافه وتنوع مذاقه وطعمه ولذته. هذا هو الله الذي تدعون إلى عبادته وحده فتكفرون فأصبحتم بذلك تؤمنون بالباطل وهي الأصنام
__________________
(١) هذا استدلال على قدرة الله وتدبيره وقهره لعباده إذ فضل بعضهم على بعض في الرزق تفضيلا عجيبا هذا غني ، وهذا فقير ، هذا موسر ، وهذا معسر فقد يفتقر الذكي القوي ويستغني البليد الضعيف كما قيل :
ومن الدليل على القضاء وكونه |
|
بؤس اللّبيب وطيب عيش الأحمق |
والآية متضمنة مثلا ضربه لعبادة الأصنام ، ونظير هذه المثل في سورة الروم في قوله تعالى : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ ..) الخ.
(٢) يريد أنّ أغنياءهم لا يشاطرون عبيدهم رزقهم فيستووا فيه فكيف يرضون لله ما لا يرضونه لأنفسهم كما في قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ) أي : البنون.
(٣) أي : من نوعكم ، ومن للابتداء ومن في قوله تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) للتبعيض.
(٤) الأزواج : جمع زوج وهو ما يكوّن مع آخر اثنين.