الرغبة في سواه ما دام له ما في السموات والأرض خلقا وملكا. وقوله (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) (١) أي العبادة والطاعة دائما ثابتا واجبا ، ألا لله الدين الخالص. وقوله تعالى : (أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ) يوبخهم على خوف سواه وهو الذي يجب أن يرهب ويخاف لأنه الملك الحق القادر على إعطاء النعم وسلبها ، فكيف يتقى من لا يملك ضرا ولا نفعا ويعصى من بيده كل شيء وإليه مرد كل شيء ، وما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن. وقوله : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) (٢) يخبرهم تعالى بالواقع الذي يتنكرون له فيخبرهم أنه ما بهم من نعمة جلت أو صغرت من صحة أو مال أو ولد فهي من الله تعالى خالقهم وواهبهم حياتهم ، وليست من أحد غيره ، ودلل على ذلك شعورهم الفطري وهو أنهم إذا مسهم الضر من فقر أو مرض أو تغير حال كخوف غرق في البحر فإنهم يرفعون أصواتهم إلى أعلاها مستغيثين بالله سائلينه أن يكشف ضرهم أو ينجيهم من هلكتهم المتوقعة لهم فقال عزوجل : (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ) دون غيره (تَجْئَرُونَ) برفع أصواتكم بالدعاء والإستغاثة به سبحانه وتعالى وقوله : (ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ) كبير (مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) فيعبدون غيره بأنواع العبادات متناسين الله الذى كشف ضرهم وأنجاهم من هلكتهم.
وقوله : (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ) (٣) أي ليؤول أمرهم إلى كفران ونسيان ما آتاهم الله من نعم وما أنجاهم من محن. أفهكذا يكون الجزاء؟ أينعم بكل أنواع النعم وينجى من كل كرب ثم ينسى له ذلك كله ، ويعبد غيره؟ بل ويحارب دينه ورسوله؟ إذا (فَتَمَتَّعُوا) (٤) أيها الكافرون (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) عاقبة كفركم وإعراضكم عن طاعة الله وذكره وشكره. وقوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ) وهذا ذكر لعيب آخر من عيوبهم وباطل من باطلهم أنهم يجعلون لأوثانهم التى لا يعلمون عنها شيئا من نفع أو ضر أو اعطاء أو منع أو إماتة أو إحياء يجعلونها لها طاعة للشيطان نصيبا وحظا من أموالهم
__________________
(١) لفظ الدّين هنا : صالح لأن يكون الطاعة يقال : دان فلان للملك : أطاعه وصالح لأن يكون الجزاء كقوله : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وصالح لأن يكون الديانة والكل لله. لا شريك له ، فالطاعة واجبة له والجزاء هو الذي يملكه والديانة هو شارعها فهي له دون سواه.
(٢) فيه إشارة إلى بطلان إله الخير الذي يدين له المجوس الذين يقولون الخير من إله الخير ، والشر من إله الشر.
(٣) وجائز أن تكون اللام : لام كي التعليلية.
(٤) الأمر للتهديد.