الله (أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (١). هذا ترغيب في الهجرة وتشجيع للمتباطئين على الهجرة وقوله : (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٢) بيان لحالهم وثناء عليهم بخير لأنهم صبروا أولا على الأذى في مكة ثم لما أذن لهم بالهجرة هاجروا متوكلين على الله تعالى مفوضين أمورهم إليه ، واثقين في وعده. هذا ما دلت عليه الآيتان (٤١) ، (٤٢). وأما الآية الثالثة (٤٣) والرابعة من هذا السياق فهما تقرير حقيقة علمية بعد إبطال شبهة المشركين القائلين كيف يرسل الله محمدا رسولا وهو بشر مثلنا لم لا يرسل ملكا .. وهو ما أخبر الله تعالى في قوله (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) أي من الرسل (إِلَّا رِجالاً) لا ملائكة (نُوحِي إِلَيْهِمْ) بأمرنا وقوله : (فَسْئَلُوا) أيها المشركون المنكرون أن يكون الرسول بشرا ، اسألوا أهل الذكر وهو الكتاب (٣) الأول أي أسألوا علماء أهل الكتاب اليهود والنصارى هل كان الله تعالى يرسل الرسل من غير البشر (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فإنهم يخبرونكم. وما موسى ولا عيسى إلا بشر ، وقوله : (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) أي أرسلنا أولئك الرسل من البشر بالبينات أي الحجج والدلائل الدالة على وجوب عبادتنا وترك عبادة من سوانا. والزبر أي الكتب. ثم يقول تعالى لرسوله : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) وفي هذا تقرير لنبوته وقوله : (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فيعرفون صدق ما جئتهم به فيؤمنوا. ويتوبوا إلى ربهم فينجوا ويسعدوا.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ فضل الهجرة ووجوبها عند اضطهاد المؤمن وعدم تمكنه من عبادة الله تعالى.
٢ ـ وجوب سؤال أهل العلم على كل من لا يعلم أمور دينه من عقيدة وعبادة وحكم.
٣ ـ السنة لا غنى عنها لأنها المبينة لمجمل القرآن والموضحة لمعانيه.
__________________
(١) هذا صالح لكلّ من المؤمنين ومعذبيهم ، غير أنه في المؤمنين أظهر إذ كان عمر رضي الله عنه إذا أعطى المهاجرين العطاء قال : هذا ما وعدكم الله في الدنيا وما ادخر لكم في الآخرة أكثر ثم يتلو هذه الآية : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).
(٢) قال العلماء : خيار المؤمنين من إذا نابه أمر صبر وإذا عجز عن أمر توكل وهو المراد من قوله تعالى : (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
(٣) يدخل في أهل الذكر أهل القرآن ، وهم علماء هذه الأمّة ، وبهذا أمر الله تعالى غير العالمين أن يسألوا أهل العلم ، وأمر العالمين أن يعلموا ويبيّنوا ومن كتم منهم عذّب.