الناس لا يعلمون عن الله تعالى صفات جلاله وكماله ومحابه ومساخطه وأبواب الوصول إلى مرضاته والحصول على رضاه ومحبته ، وما يتقي مما يحرم على العبد من ذلك. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٦٨).
أما الآية الثانية فقد أخبر تعالى أن إخوة يوسف لما دخلوا عليه في منزله آواى إليه أخاه أي شقيقه وهو بنيامين ، وذلك لما جاء وقت النوم جعل كل اثنين فى غرفة وهم أحد عشر رجلا بقي بنيامين فقال هذا ينام معي ، وأنه لما آواه إليه في فراشه أعلمه أنه أخوه يوسف ، وأعلمه أن لا يحزن بسبب ما كان إخوته قد عملوه مع أبيهم ومع أخيهم يوسف وأعلمه أنه سيحتال على بقائه معه فلا يكترث بذلك ولا يخبر إخوته بشيء من هذا. هذا ما دلت عليه الآية الثانية وهي قوله تعالى : (وَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَخاهُ قالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ (١) بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
أما الآية الثالثة (٧٠) فقد تضمنت الإخبار عن تدبير (٢) يوسف لبقاء أخيه معه دونهم وذلك أنه لما جهزهم بجهازهم أي كال لهم الطعام وزودهم بما يحتاجون إليه بعد إكرامه لهم جعل بطريق خفيّ لم يشعروا به سقاية الملك وهي الصاع أو الصواع وهي عبارة عن إناء من ذهب كان يشرب فيه ثم جعل آلة كيل خاصة بالملك عرفت بصواع الملك أو صاعه. جعلها فى رحل أخيه بنيامين ، ثم لما تحركت القافلة وسارت خطوات نادى مناد قائلا أيتها العير (٣) أي يا أهل القافلة إنكم لسارقون. هذا ما تضمنته الآية الكريمة إذ قال تعالى : (فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ). قال تعالى إخبارا عنهم : (قالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ ما ذا تَفْقِدُونَ) فأجابوا بقولهم : (نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ ، وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) أي مكافأة له (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) (٤) أي وأنا بإعطائه حمل البعير كفيل.
هداية الآيات
__________________
(١) الابتئاس من البؤس الذي هو الحزن والكدر ، فالابتئاس مطاوع الابئاس أي : جعل المرء بائسا : صاحب بؤس.
(٢) قيل : إنّ بنيامين قال ليوسف : لا تردني إليهم فأجابه يوسف ودبّر كيفية إبقاء أخيه معه وكلّ ذلك بتدبير الله تعالى لهم.
(٣) العير : لفظ يطلق على ما امتير عليه من الإبل والخيل والبغال ، والحمير ، والمراد بها هنا : الإبل.
(٤) الزعيم : الكفيل ، والحميل ، والضمين ، والقبيل ، وهي بمعنى واحد سواء ، ويطلق الزعيم على الرئيس.