خمسين عاما أي فلم يؤمن بعد اليوم أحد من قومك وعليه فلا تبتئس (١) أي لا تغتم ولا تحزن بسبب ما كانوا يفعلون من الشر والفساد والكفر والمعاصي فإني منجيك ومن معك من المؤمنين ومهلكهم بالغرق. وقوله تعالى في الآية الثانية (٣٧) (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) أي وأمرناه أن يصنع الفلك أي السفينة تحت بصرنا وبتوجيهنا وتعليمنا. إذ لم يكن يعرف السفن ولا كيفية صنعها وقوله (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي لا تسألني لهم صرف العذاب ولا تشفع لهم في تخفيفه عليهم ، لأنا قضينا بإهلاكهم بالطوفان فهم لا محالة مغرقون قوله تعالى (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ (٢) وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) يخبر تعالى عن حال نوح وهو يصنع الفلك بقطع الخشب ونجره وتركيبه وقومه يمرون عليه وكلما مرّ عليه أشراف القوم وعليتهم يسخرون منه كقولهم يا نوح أصبحت نجارا أو وهل تنقل البحر إليها ، أو تنقلها إلى البحر فيرد عليهم نوح عليهالسلام بقوله (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) أي منا. فسوف تعلمون أي مستقبلا من يأتيه عذاب يخزيه أي يذله ويهينه ويكسر أنف كبريائه ، ويحل (٣) عليه عذاب مقيم وهو عذاب النار يوم القيامة وهو عذاب دائم لا ينتهى أبدا.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ كراهية الحزن والأسى والأسف على ما يقوم به أهل الباطل والشر والفساد.
٢ ـ بيان تاريخ صنع السفن وانها بتعليم الله لنوح عليهالسلام.
٣ ـ بيان سنة البشر في الاستهزاء والسخرية بأهل الحق ودعاته لظلمة نفوسهم بالكفر والمعاصي.
٤ ـ بيان صدق وعد الله رسله.
(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها
__________________
(١) الابتئاس : افتعال من البؤس الذي هو الهمّ والحزن. قال الشاعر :
وكم من خليل أو حميم رزأته |
|
فلم أبتئس والرزء فيه جليل |
(٢) اختلفت الأقوال في مدّة صنع السفينة ، أكثرها أنها : أربعون سنة. وجائز أن تكون أكثر ، لأنّ عمل فرد واحد في صنع سفينة يتطلب وقتا طويلا أمّا حجمها فيدل على كبره ما حمل فيها ، إذ حمل فيها كل مؤمن ومؤمنة ومن كل زوجين اثنين ، فحجمها لا شك أنه واسع كبير ، وقيل : كانت السفينة ثلاث طبقات : السفلى للدواب والوحوش ، والوسطى للإنس ، والعليا للطيور. والله أعلم ، والحديث عن طول السفينة وعرضها ومادتها كله من باب علم لا ينفع وجهالة لا تضر.
(٣) أي : يجب عليه وينزل به.