الذي كان يكلمك الرب تعالى حتى نرى الله جهرة أي عيانا وهنا غضب الله تعالى عليهم فأخذتهم صيحة رجفت لها قلوبهم والأرض من تحتهم فماتوا كلهم ، وهو معنى قوله تعالى (أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) وهنا أسف موسى عليهالسلام لموت السبعين رجلا وقد اختارهم الخير فالخير فإذا بهم يموتون أجمعون فخاطب ربه قائلا (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل مجيئنا إليك (وَإِيَّايَ) وذلك في منزل بني إسرائيل حيث عبدوا العجل (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) (١) أي بسبب فعل السفهاء الذين لا رشد لهم ، وهم من عبدوا العجل كمن سألوا رؤية الله تعالى ، وقوله عليهالسلام (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) أي إلا اختبارك وبليتك (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ ، أَنْتَ وَلِيُّنا) فليس لنا سواك (فَاغْفِرْ لَنا) أي ذنوبنا (وَارْحَمْنا) برفع العذاب عنا (وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) (وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً) بأن توفقنا لعمل الصالحات وتتقبلها منا ، (وَفِي الْآخِرَةِ) تغفر ذنوبنا وتدخلنا جنتك مع سائر عبادك الصالحين ، وقوله (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) أي إنا قد تبنا إليك فأجابه الرب تعالى بقوله (عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) أي من عبادي وهم الذين يفسقون عن أمري ويخرجون عن طاعتي (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ (٢) كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) وبهذا القيد الوصفي ، وبما بعده خرج إبليس واليهود وسائر أهل الملل ودخلت أمة الإسلام وحدها إلا من آمن من أهل الكتاب واستقام على دين الله وهو الإسلام. وقوله (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ) هو محمد صلىاللهعليهوسلم (الَّذِي يَجِدُونَهُ (٣) مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) وذلك بذكر صفاته والثناء عليه وعلى أمته ، وقوله (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ) أي التي كانت قد حرمت عليهم بظلمهم (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) الخمر ولحم الخنزير والربا وسائر المحرمات في الإسلام ، وقوله (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) أي ويحط عنهم تبعة العهد الذي أخذ عليهم بالعمل فيما في التوراة والإنجيل بأن يعملوا بكل ما جاء في
__________________
(١) الاستفهام هنا للتحجج والجحد أي إنك لا تفعل ذلك ، وهو كما قال الشعر :
ألستم خير من ركب المطايا |
|
وأندى العالمين بطون راح |
(٢) أي لم تضق عن مخلوق من المخلوقات التيّ أراد الله رحمتها. يحكى أنّ ابليس عليه لعائن الله لماّ سمع هذه الآية قال : أنا شيء فقال الله تعالى : سأكتبها للذين يتقون فقالت اليهود والنصارى نحن : متقون فقال تعالى : الذين يتّبعون الرسول النبي الأمي فخرجوا وبقيت لهذه الأمّة وحدها.
(٣) قال كعب في ذكر صفاته صلىاللهعليهوسلم في التوراة : مولده مكة وهجرته بطابة وملكه بالشام ، وأمته الحمّادون يحمدون الله على كل حال .. إلى أن قال : يصلّون حيثما أدركتهم الصلاة ، صفهم في الصلاة كصفهم في القتال.