(قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) : أي شكرا قليلا والشكر ذكر النعمة للمنعم (١) وطاعته بفعل محابه وترك مكارهه.
معنى الآيات :
قوله تعالى : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ (٢) إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ، (٣) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ) يخبر تعالى أنه إذا جمع الخلائق لفصل القضاء مؤكدا الخبر بالقسم أنه يسأل كل أمة أو جماعة أو فرد أرسل إليهم رسله يسألهم عن مدى إجابتهم دعوة رسله إليهم ، فهل آمنوا بما جاءتهم به الرسل ، وأطاعوهم فيما بلغوهم من التوحيد والعبادة والطاعة والانقياد ، كما يسأل الرسل أيضا هل بلغوا ما ائتمنهم عليه من رسالته المتضمنة أمر عباده بالإيمان به وتوحيده وطاعته في أمره ونهيه ، ثم يقص تعالى على الجميع بعلمه كل ما كان منهم من ظاهر الأعمال وباطنها ، ولا يستطيعون إخفاء شىء أبدا ، ولم يكن سؤاله لهم أولا ، إلا من باب إقامة الحجة وإظهار عدالته سبحانه وتعالى فيهم ، ولتوبيخ من يستحق التوبيخ منهم ، وهذا معنى قوله تعالى : (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ) عنهم حينما كانوا في الدنيا يعملون فكل أعمالهم كانت مكشوفة ظاهرة له تعالى ولا يخفى عليه منها شىء وهو السميع البصير.
هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٦) والثانية (٧) أما الآيتان الثالثة والرابعة فقد أخبر تعالى أنه بعد سؤالهم وتعريفهم بأعمالهم ينصب الميزان وتوزن (٤) لهم أعمالهم فمن ثقلت موازين حسناته أفلح بالنجاة من النار ودخول الجنة دار السّلام ومن خفّت لقلة حسناته وكثرة سيئاته (٥) خسر نفسه بإلقائه في جهنم ليخلد في عذاب أبدي ، وعلل تعالى لهذا الخسران في جهنم
__________________
(١) وحده والثناء بها عليه.
(٢) في الآية دليل على أنّ الكفار يحاسبون وإن لم توزن أعمالهم لقوله تعالى (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) فمحاسبتهم لإظهار العدالة الإلهية لا لأن لهم أعمالا صالحة يجزون بها والله أعلم.
(٣) ويشهد لهذه المساءلة قوله صلىاللهعليهوسلم في الصحيح : (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام يسأل عن رعيته ، والرجل يسأل عن أهله ، والمرأة تسأل عن بيت زوجها ، والعبد يسأل عن مال سيده).
(٤) هنا زلت أقدام المعتزلة فأوّلوا الوزن للأعمال والميزان وقالوا : الأعراض لا توزن ولو اتبعوا لأوّلوا الميزان بالصراط والجنة والنار على ما يرد على الأرواح دون الأجساد ، والشياطين والجنّ على الأخلاق المذمومة ، والملائكة على القوى المحمودة وهكذا حتى لا يبقى للدين حقيقة والعياذ بالله من فساد القلوب والعقول ومن الجري وراء فلسفة الإغريق واليونان.
(٥) ورد في السنة الصحيحة أنّ الأعراض تحوّل إلى أجسام وتوزن كما في حديث : أنّ البقرة وآل عمران يأتيان يوم القيامة وكانهما غمامتان. الحديث ، كما توزن صحائف الأعمال لحديث : (فطاشت السجلات وثقلت البطاقة) وحديث : (يؤتى بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضة) وبهذا تقرر أنّ الأعمال توزن وتوزن محالها وفاعلوها والله على ذلك قدير.