(نَصِيرٍ) : ناصر يدفع عنكم المكروه.
(أَمْ تُرِيدُونَ) : بل أتريدون ، إذ أم هنا للإضراب الانتقالي فهي بمعنى بل والهمزة ، وما سئله موسى هو قول بني إسرائيل له : (أرنا الله جهرة).
(سَواءَ السَّبِيلِ) : وسط الطريق الآمن من الخروج عن الطريق.
معنى الآيات :
يخبر تعالى رادا على الطاعنين في تشريعه الحكيم الذين قالوا إن محمدا يأمر أصحابه (١) اليوم بأمر وينهى عنه غدا أنه تعالى ما ينسخ من آية تحمل حكما شاقا على المسلمين إلى حكم أخف كنسخ الثبوت لعشرة في قتال الكافرين إلى الثبوت إلى إثنين. أو حكما خفيفا إلى شاق زيادة في الأجر كنسخ يوم عاشوراء بصيام رمضان ، أو حكما خفيفا إلى حكم خفيف مثله كنسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، أو حكما إلى غير حكم آخر كنسخ صدقة من أراد أن يناجى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن الحكم رفع ولم يشرع حكم آخر بدلا عنه ، أو نسخ الآية بإزالتها من التلاوة ويبقى حكمها كآية الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله فقد نسخ اللفظ من التلاوة وبقي الحكم. أو بنسخ الآية وحكمها. وهذا معنى قوله أو ننسها وهي قراءة نافع ، فقد ثبت أن قرآنا نزل وقرأه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وبعض أصحابه ثم نسخه الله تعالى لفظا ومعنى فمحاه من القلوب بالمرة فلم يقدر على قراءته أحد. وهذا مظهر من مظاهر القدرة الإلهية الدال عليه قوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، وهو أيضا مظهر من مظاهر التصرف الحكيم الدال عليه قوله : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو تعالى يتصرف فينسخ ويبقي ويأتي بخير مما نسخ أو بمثله بحسب حاجة الأمة ومتطلبات حياتها الروحية والمادية. فسبحانه من إله قدير حكيم : ينسي ما يشاء وينسخ ما يريد.
أما قوله تعالى في آية (١٠٨) : (أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) (٢) ، فهو توبيخ لمن طالب
__________________
(١) في الكلام إشارة إلى سبب نزول هذه الآيات والمراد بالذين قالوا إن محمدا .. الخ هم اليهود ، واليهود ينفون وجود النسخ في الشرائع وهم مخطئون في ذلك خطأ كبيرا ، إذ قد أباح الله تعالى لآدم أن ينكح بناته بنيه فترة من الزمن ثمّ نسخ ذلك ، وأباح لنوح أكل سائر الحيوان بعد نزوله من السفينة ثم نسخ ذلك. كما أوحي الله إلى ابراهيم أن يذبح ولده ثم نسخ ذلك إذ فداه بذبح عظيم قبل الذبح وهذا نسخ للأمر قبل فعله.
(٢) قوله تعالى : (كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ ...) معنى سؤال بني اسرائيل موسى بأن يريهم الله جهرة أي مواجهة بعد أن سمعوا كلامه ، كما سألوه غير هذا تعنّتا وجهلا بمقام الرسول موسى عليهالسلام ولذا حذّر الله المؤمنين من مثل هذه المواقف القبيحة.