الرسل بعده بعضهم على أثر بعض ، وبإعطاء عيسى البينات وتأييده بروح القدس جبريل عليهالسلام ومع هذا فإنهم لم يستقيموا بل كانوا يقتلون الأنبياء ويكذبونهم فوبخهم الله تعالى على ذلك بقوله : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ (١) رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ). وفي الآية الثانية (٨٨) يذكر تعالى تبجحهم بالعلم واستغناءهم به ، ويبطل دعواهم ويثبت علة ذلك وهي أن الله لعنهم بكفرهم فلذا هم لا يؤمنون وفي الآية الثالثة (٨٩) يذكر تعالى كفرهم بالقرآن ونبيّه بعد أن كانوا قبل بعثة النبي صلىاللهعليهوسلم يقولون للعرب إن نبيا قد أظل زمانه وسوف نؤمن به ونقاتلكم معه وننتصر (٢) عليكم فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله (٣) عليهم لأنهم كافرون. وفي الآية الرابعة (٩٠) يقبّح الله تعالى سلوكهم حيث باعوا أنفسهم رخيصة ، باعوها بالكفر فلم يؤمنوا بالقرآن ونبيّه حسدا (٤) أن يكون في العرب نبي يوحى إليه ورسول يطاع ويتبع ، فرجعوا من طول رحلتهم في الضلال بغضب عظيم سببه كفرهم بعيسى ، وبغضب عظيم سببه كفرهم بمحمد صلىاللهعليهوسلم ومع الغضب العذاب المهين في الدنيا والآخرة.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ واجب النعمة الشكر ، وواجب الذنب التوبة.
٢ ـ قبح رد الحق لعدم موافقته لهوى النفس.
٣ ـ فظاعة جريمة القتل والتكذيب بالحق.
٤ ـ سوء عاقبة التبجح بالعلم وإدعاء عدم الحاجة إلى المزيد منه.
٥ ـ ذم الحسد وأنه أخو البغي وعاقبتهما الحرمان والخراب.
٦ ـ شر ما يخاف منه سوء الخاتمة والعياذ بالله تعالى.
__________________
(١) الجمهور من النحاة على أن همزة الاستفهام في (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ) ونحوها مقدمة من تأخير إذ موقعها بعد الفاء العاطفة ولما كان حرف الاستفهام وخاصة الهمزة له الصدارة ، قدمت الهمزة على الفاء العاطفة فقال (أَفَكُلَّما) وخلاف الجمهور يرى أن الهمزة داخلة على محذوف يقدر بحسب المقام.
(٢) هذا معنى قوله تعالى : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ).
(٣) لم يقل الله تعالى فلعنة الله عليهم وإنما قال فلعنة الله على الكافرين إشارة إلى سبب اللعنة وهو الكفر لا الجنس أو العرق وليعم كلّ كافر أيضا.
(٤) سمي الحسد بغيا وظلما ، لأن البغي والظلم بمعنى ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه ، والحاسد متمنّ زوال النعمة عن المحسود ، وهو في هذا الحال ظالم متعد لأنه لا يناله من زوالها نفع ولا من بقائها ضرر.