هذا نهيق حمار قبح الله قولهم وأقمأهم. فقال تعالى عنهم : (وَإِذا نادَيْتُمْ (١) إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ). حقا انهم لا يعقلون فلو كانوا يعقلون الكلام لكان النداء إلى الصلاة من أطيب ما يسمع العقلاء لأنه نداء إلى الطهر والصفاء وإلى الخير والمحبة والألفة نداء إلى ذكر الله وعبادته ، ولكن القوم كما أخبر تعالى عنهم : (لا يَعْقِلُونَ) شأنهم شأن البهائم والبهائم أفضل منهم. هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الآية الثالثة (٥٩) فقد تضمنت تعليم الله تعالى لرسوله أن يقول لأولئك اليهود والكفرة الفجرة يا أهل الكتاب إنكم بمعاداتكم لنا وحربكم علينا ما تنقمون منا أي ما تكرهون منا ولا تعيبون علينا إلا إيماننا بالله وما أنزل علينا من هذا القرآن الكريم وما أنزل من قبل من التوراة والإنجيل ، وكون أكثركم فاسقين فهل مثل هذا ينكر من صاحبه ويعاب عليه؟ اللهم لا ، ولكنكم قوم لا تعقلون هذا معنى قوله تعالى في هذه الآية : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) أما الآية الرابعة في هذا السياق (٦٠) فقد تضمنت تعليم الله لرسوله كيف يرد على أولئك اليهود إخوان القردة والخنازير قولهم : لا نعلم دينا شرا من دينكم ، وذلك أنهم سألوا النبي صلىاللهعليهوسلم : بمن تؤمن؟ فقال أؤمن بالله وبما أنزل إلينا وما أنزل على موسى وما أنزل على عيسى فلما قال هذا ، قالوا : لا نعلم دينا شرا من دينكم بغضا لعيسى عليهالسلام وكرها له ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً) أي ثوابا وجزاء (عِنْدَ اللهِ؟) أنه (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) إذ مسخ طائفة منهم قردة ، وأخرى خنازير على عهد داود عليهالسلام ، وقوله (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) (٢) أي وجعل منهم من عبد الطاغوت وهو الشيطان وذلك بطاعته والانقياد لما يجلبه عليه ويزينه له من الشر والفساد ، إنه أنتم يا معشر يهود ، إنكم لشر مكانا يوم القيامة وأضل سبيلا اليوم في هذه الحياة الدنيا.
__________________
(١) الأذان فرض في المدن والقرى وسنة لجماعة تطلب غيرها ، ومستحب لمن لا يطلب غيره ، والسفر ، والحضر سواء إلّا أنه في السفر أعظم أجرا لحديث الموطأ : «لا يسمع مدى صوت المؤذن جنّ ولا إنس ، ولا شيء إلّا شهد له يوم القيامة» وهذا الثواب عام لمن أذّن في السفر والحضر ، والإقامة سنّة مؤكدة لكل صلاة ومن أذن أقام ولو أقام غير المؤذن جازت.
(٢) قرىء هذا اللفظ (عَبَدَ الطَّاغُوتَ) بعدة قراءات منها عبد اسما كفضل ، وعبدوا الطاغوت ، وعبد الطاغوت أي جمع عبد ، وعبّد الطاغوت جمع عابد كشاهد وشهّد.