معنى الآيات :
هذه الآية الكريمة (٥٤) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) تضمنت خبرا من أخبار الغيب التي يخبر بها القرآن فتتم طبق ما أخبر به فتكون آية أنه كلام الله حقا وأن المنزل على رسوله صدقا فقد أخبر تعالى أن من يرتد من المؤمنين سوف يأتي الله عزوجل بخير منه ممن يحبون الله ويحبهم الله تعالى رحماء بالمؤمنين أشداء على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لوم من يلوم ، ولا عتاب من يعتب عليهم. وما إن مات الرسول صلىاللهعليهوسلم حتى ارتد فئات (١) من أجلاف الأعراب ومنعوا الزكاة وقاتلهم أبو بكر الصديق مع الصحابة رضوان الله عليهم حتى أخضعوهم للإسلام وحسن إسلامهم فكان أبو بكر وأصحابه ممن وصف الله تعالى يحبون الله ويحبهم الله يجاهدون في سبيله ولا يخافون لومة لائم ، وقد روي بل وصح أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما نزلت هذه الآية وتلاها صلىاللهعليهوسلم وأبو موسى الأشعري أمامه فأشار إليه وقال قوم هذا ، وفعلا بعد وفاة الرسول جاء الأشعريون وظهرت الآية وتمت المعجزة وصدق الله العظيم. وقوله تعالى : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ) الإشارة إلى ما أولى (٢) أولئك المؤمنين من أبي بكر الصديق والصحابة والأشعريين من تلك الصفات الجليلة من حب الله والرقة على المؤمنين والشدة على الكافرين ، والجهاد في سبيل الله ، وقوله تعالى : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) أي واسع الفضل عليم بمن يستحقه. هذا ما دلت عليه الآية الأولى أما (٣) الثانية (٥٥) فقد تضمنت طمأنة الرب تعالى لعبادة بن الصامت وعبد الله بن سلام ومن تبرأ من حلف اليهود ووالى الله ورسوله فأخبرهم تعالى أنه هو وليهم ورسوله والذين آمنوا (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٤) أي خاشعون متطامنون وأما ولاية اليهود والنصارى فلا خير لهم فيها وهم منها براء فقصرهم تعالى على ولايته وولاية رسوله والمؤمنين الصادقين وفي الآية الثالثة أخبرهم تعالى أن من يتول الله ورسوله والذين آمنوا ينصره الله ويكفه ما يهمه ، لأنه أصبح من حزب الله ، وحزب الله أي أولياؤه وأنصاره هم الغالبون هذا ما دلت عليه الآية الكريمة وهي قوله
__________________
(١) قال ابن اسحاق لما قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ارتدت العرب إلّا ثلاثة مساجد مسجد المدينة ومسجد مكة ومسجد جؤاثي ، جؤاثي : اسم حصن بالبحرين وكان المرتدون على قسمين : قسم منعوا الزكاة واعترفوا بباقي الشريعة وقسم نبذوا الشريعة.
(٢) أي : ما وهبهم وأعطاهم من الصفات الحميدة الجليلة.
(٣) هي قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ..) الخ.
(٤) يروى أنّ عليا رضي الله عنه كان يصلي نافلة في المسجد فسأله أحد فرمى إليه بالخاتم وهو يصلي فاستدل الفقهاء بهذا أنّ العمل اليسير لا يبطل الصلاة.