أَوْلِياءُ بَعْضٍ) تعليل لتحريم موالاتهم (١) ، لأن اليهودي ولي لليهودي والنصراني ولي للنصراني على المسلمين فكيف تجوز إذا موالاتهم ، وكيف يصدقون أيضا فيها فهل من المعقول أن يحبك النصراني ويكره أخاه ، وهل ينصرك على أخيه؟ وقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ) أي أيها المؤمنون (فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (٢) ، لأنه بحكم موالاتهم سيكون حربا على الله ورسوله والمؤمنين وبذلك يصبح منهم قطعا وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) جملة تعليلية تفيد أن من والى اليهود والنصارى من المؤمنين أصبح مثلهم فيحرم هداية الله تعالى لأن الله لا يهدي القوم الظالمين ، والظلم وضع الشيء في غير محله وهذا الموالي لليهود والنصارى قد ظلم بوضع الموالاة في غير محلها حيث عادى الله ورسوله والمؤمنين ووالى اليهود والنصارى أعداء الله ورسوله والمؤمنين. هذا ما دلت عليه الآية الأولى أما الآية الثانية (٥٢) فقد تضمنت بعض ما قال ابن أبي مبررا به موقفه المخزي وهو الإبقاء على موالاته لليهود إذ قال تعالى لرسوله وهو يخبره بحالهم : (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) كابن أبي والمرض مرض النفاق (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) أي في موالاتهم ولم يقل يسارعون إليهم لأنهم ما خرجوا من دائرة موالاتهم حتى يعودوا إليها بل هم في داخلها يسارعون ، يقولون كالمعتذرين (نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) من تقلب الأحوال فنجد أنفسنا مع أحلافنا ننتفع بهم. وقوله تعالى : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) وعسى من الله تفيد تحقيق الوقوع فهي بشرى لرسول الله والمؤمنين يقرب النصر و (٣) الفتح (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ (٤) فَيُصْبِحُوا) أي أولئك الموالون لليهود (عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ) من النفاق وبغض المؤمنين وحب الكافرين (نادِمِينَ) حيث لا ينفعهم ندم. هذا ما تضمنته الآية الثانية أما الآية الثالثة (٥٣) وهي قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) عندما يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده فيه نصرة المؤمنين وهزيمة الكافرين ، ويصبح المنافقون نادمين يقول المؤمنون مشيرين إلى المنافقين : (أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ) أغلظ الأيمان (إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) لأنها لم تكن لله (فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ).
__________________
(١) الموالاة حقيقتها : المودة والنصرة ، فمن والى اليهود والنصارى فأحبّهم ونصرهم على المسلمين لازمه أنّه أبغض المؤمنين وخذلهم وبهذا يصبح كافرا.
(٢) هذا الحكم باق إلى يوم القيامة وهو : حرمة موالاة الكافرين ومن والاهم تحرم موالاته كما تحرم موالاتهم ووجبت له النار كما وجبت لهم.
(٣) قال ابن عباس رضي الله عنهما : أتى الله بالفتح فقتلت مقاتلة بني قريظة وسبيت ذراريهم وأجلى بنو النضير.
(٤) فسّر الحسن قوله تعالى : (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) بأنه إظهار أمر المنافقين والإخبار بأسمائهم والأمر بقتلهم ، وهو تفسير عظيم عليه نور.