إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير [ ج ١ ]

أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير

أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير [ ج ١ ]

تحمیل

أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير [ ج ١ ]

613/664
*

وقوله تعالى : (قُلْ فَمَنْ (١) يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) يعلم رسوله كيف يحتج على أهل هذا الباطل فيقول له : قل لهم فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه عليهما‌السلام (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) والجواب قطعا لا أحد ، إذا فكيف يكون عبد الله هو الله أو إلها مع الله؟ أليس هذا هو الضلال بعينه وذهاب العقول بكماله؟ ثم أخبر تعالى أنه له (مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) خلقا وتصرفا ، وأنه (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) خلقه بلا حجر عليه ولا حظر وهو على كل شيء قدير خلق آدم من تراب بلا أب ولا أم ، وخلق حواء من آدم ، وخلق عيسى من مريم بلا أب ، ويخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير فكون المسيح عليه‌السلام خلقه بكلمة كن بلا أب لا تستلزم عقلا ولا شرعا أن يكون هو الله ، ولا ابن الله ، ولا ثالث ثلاثة مع الله كما هي عقيدة أكثر النصارى ، والعجب من إصرارهم على هذا الباطل ، هذا ما دلت عليه الآية الأولى أما الآية الثانية (١٨) فقد تضمنت بيان ضلال اليهود والنصارى معا وهو دعواهم أنهم (أَبْناءُ اللهِ (٢) وَأَحِبَّاؤُهُ) إذ قال تعالى عنهم (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ (٣) أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) وهو تبجح وسفه وضلال فأمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم بقوله : قل لهم يا رسولنا (فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) فهل الأب يعذب أبناءه والحبيب يعذب محبيه ، وأنتم تقولون نعذب في النار أربعين يوما بسبب خطيئة عبادة أسلافهم العجل أربعين يوما كما جاء ذلك في قوله تعالى حكاية عنهم : (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) والحقيقة أن هذا القول منكم من حملة الترهات والأباطيل التي تعيشون عليها ، وأما أنتم فإنكم بشر ممن خلق الله فنسبتكم إليه تعالى نسبة مخلوق إلى خالق وعبد إلى مالك من آمن منكم وعمل صالحا غفر له وأكرمه ، ومن كفر منكم وعمل سوء عذبه كما هي سنته في سائر عباده ، ولا اعتراض عليه فإن له ملك السموات والأرض وما بينهما وأنتم من جملة مملوكيه ، واليه المصير فسوف ترجعون إليه ويجزيكم بوصفكم إنه حكيم عليم.

هذا ما دلت عليه الآية الثانية أما الآية الثالثة (١٩) فقد تضمنت إقامة الحجة على أهل

__________________

(١) الفاء : للعطف على جملة محذوفة متضمنة كذبهم في قولهم ، والتقدير : قل كذبتم فمن يملك ... الخ.

(٢) التعبير بالأبوة والبنوة المنسوبة إلى الله تعالى تفيض بها التوراة والانجيل وهو من التحريف الذي حصل لكتابيهم ، وأمّا قول من قال : هذه الأبوة والبنوة كانت تعني التشريف فاغتر بها المتأخرون واعتقدوا حقيقتها ، هذا القول فيه مجازفة لا تقبل.

(٣) قال ابن عباس رضي الله عنهما خوّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوما من اليهود بالعقاب فقالوا : لا نخاف فإننا أبناء الله وأحبّاؤه فنزلت هذه الآية.