حجة الوداع ، ولم يعش بعدها رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا احدى وثمانين ليلة ثم توفاه الله تعالى وثانيا : إتمام نعمته تعالى عليهم فآمنهم بعد الخوف وقواهم بعد ضعف ، ونصرهم وأعزهم بعد قهر وذل وسودهم وفتح البلاد لهم وأظهر دينهم وأبعد الكفر والكفار عنهم ، فعلمهم بعد جهل وهداهم بعد ضلال فهذه من النعمة التي أتممها عليهم وثالثا رضاه بالإسلام دينا لهم حيث بعث رسوله به وأنزل كتابه فيه فبين عقائده وشرائعه فأبعدهم عن الأديان الباطلة كاليهودية والنصرانية والمجوسية ، وأغناهم عنها بما رضيه لهم ألا وهو الإسلام القائم على الاستسلام لله تعالى ظاهرا وباطنا وذلك سلم العروج الى الكمالات ومرقى كل الفواضل والفضائل والسعادات فلله الحمد وله المنة.
وقوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يريد تعالى من اضطر أي ألجأته الضرورة وهي شدة الجوع وهي المخصمة (١) والمسغبة إلى أكل ما حرمت عليكم من الميتة وأنواعها فأكل فلا إثم عليه فإني غفور لعبادي المؤمنين رحيم بهم إلا أن يكون قد أكل من الميتة وأنواعها متعمدا المعصية مائلا إليها غير مبال بتحريمي لها فذاك الذي عصاني وتعرض لنقمتي وعذابي فإن تاب فإني غفور رحيم ، وإن أصر فإن عذابي أليم شديد.
هداية الآية
من هداية الآية :
١ ـ حرمة الميتة وما ذكر معها وهي عشر من المحرمات.
٢ ـ حرمة الاستقسام بالأزلام ومثلها قرعة الأنبياء وخط الرمل والكهانة وما أشبه ذلك.
٣ ـ حرمة الذبح على القبور والقباب والنصب التذكارية وهي من الشرك.
٤ ـ جواز أكل ما أدركه المسلم حيا من الحيوان المأكول فذكّاه وإن كان قد جرح أو كسر أو أشرف على الموت بأي سبب مميت. (٢)
__________________
(١) المخمصة لغة : الجوع ، وخلاء البطن من الطعام ، والخمص : ضمور البطن ، ومنه الحديث «إنّ الطير تغدو خماصا وتروح بطانا» وفي الحديث أيضا : «خماص البطون خفاف الظهور» والخميصة : ثوب ، وجمعها خمائص : ثياب خز وصوف : وفي الحديث «تعس عبد الخميصة».
(٢) من آداب التذكية : الرّفق بالحيوان ، احداد الشفرة ، أن يوجهها إلى القبلة ، تركها حتى تبرد قبل أن يشرع في سلخها ، إحضار نيّة الإباحة قبل الشروع في الذبح بأن يقول : باسم الله والله أكبر. والاعتراف بالمنّة لله حيث سخر لنا هذا الحيوان ولو شاء لسلطه علينا ، وأباح لنا ما لو شاء لحرمه علينا ، وكل هذه الآداب جاءت في قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتل وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح» الحديث.