ربي وآخر نهاني ثم يجيلها المستقسم بها في الخريطة ويخرج زلما منها فإن وجده مكتوبا عليه أمرني ربي مضى في عمله سفرا أو زواجا ، أو بيعا أو شراء ، وإن وجده مكتوبا عليه نهاني ربي ترك ما عزم على فعله (١) فجاء الإسلام فحرم الاستسقام بالأزلام ، وسنّ الاستخارة وهي أن يصلي المؤمن ركعتين من غير الفريضة ويقول : اللهم إني استخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به ، ويسمي حاجته. ويفعل أو يترك ما عزم عليه ، والذي يأتيه هو الخير بإذن الله تعالى.
وقوله تعالى : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) يريد ما ذكرت لكم مما حرمت عليكم إتيانه هو الفسق فاتركوه.
وقوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) يخبر تعالى عباده المؤمنين أن الكافرين من المشركين وغيرهم قد يئسوا من أن يردوكم عن دينكم كما كان ذلك قبل فتح مكة ودخول ثقيف وهوازن في الإسلام ، وظهوركم عليهم في كل معركة دارت بينكم وبينهم إذا فلا تخشوهم بعد الآن أن يتمكنوا من قهركم وردكم إلى الكفر واخشوني أنا بدلهم وذلك بطاعتي وطاعة رسولي ولزوم حدودي والأخذ بسنتي في كوني حتى لا تتعرضوا لنقمتي بسلب عطائي فإن نصرتي لأهل طاعتي وإذلالي لأهل معصيتى.
وقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ (٢) دِيناً) فهو إخبار منه تعالى لعباده المؤمنين بما هو إنعام عليهم منه وامتنان فأولا : إكمال الدين (٣) بجميع عقائده وعباداته وأحكامه وآدابه حتى قيل أن هذه الآية نزلت عشية يوم عرفة عام
__________________
(١) هي ثلاثة أزلام كتب على أحدها : أمرني ربي وعلى الثاني : نهاني ربي والثالث مهمل لم يكتب عليه شيء ويجعلها في خريطته فإذا خرج أمرني مضى في عمله وإذا خرج نهاني ترك ما أراد فعله ، وإذا خرج المهمل أعاد الضرب في الخريطة ، وهناك نوعان من الاستقسام غير ما ذكرنا.
(٢) هذه الآية : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ..) نزلت بعرفة يوم الجمعة في حجّة الوداع بعد العصر والرسول صلىاللهعليهوسلم على ناقته العضباء كما هو واضح في رواية مسلم في صحيحه.
(٣) ووجه إكمال الدين أنه كان قبل الهجرة مقصورا على الشهادتين ، والصلاة ، ولمّا هاجر صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة أخذ التشريع ينزل يوما بعد يوم حتى كمل وأعلن عنه الربّ تعالى في حجّة الوداع بقوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ ..) الخ.