معنى الآيتين :
بعد تقرير خطأ وضلال من أرادا أن يتحاكما إلى الطاغوت كعب بن الأشرف اليهودي وهما اليهودي والمنافق في الآيات السابقة أخبر تعالى في هذه الآية الكريمة أنه ما أرسل (١) رسولا من رسله المئات إلا وأمر المرسل إليهم بطاعته واتباعه والتحاكم إليه وتحكيمه في كل ما يختلفون فيه وذلك أمره وقضاؤه وتقديره فما شاءه كان وما لم يشأه لم يكن كما أخبر تعالى أن أولئك الظالمين لأنفسهم بتحاكمهم (٢) إلى الطاغوت وصدودهم عن التحاكم إليك أيها الرسول لو جاءوك متنصلين من خطيئتهم مستغفرين الله من ذنوبهم واستغفرت لهم أنت أيها الرسول أي سألت الله تعالى لهم المغفرة لو حصل منهم هذا لدل ذلك على توبتهم وتاب الله تعالى عليهم فوجدوه عزوجل (تَوَّاباً رَحِيماً). هذا معنى الآية (٦٤) (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ ، وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً.)
وأما الآية الثانية (٦٥) (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٣) حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فإن الله تعالى يقول (فَلا) أي ليس الأمر كما يزعمون ، ثم يقسم تعالى فيقول (وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) أيها الرسول أي يطلبون حكمك فيما اختلفوا فيه واختلط عليهم من أمورهم ثم بعد حكمك لا يجدون في صدورهم أدنى شك في صحة حكمك وعدالته ، وفي التسليم له والرضا به وهو معنى الحرج المتبقي في قوله ، (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
هداية الآيتين
من هداية الآيتين :
١ ـ وجوب طاعة الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما يأمر به وينهى عنه.
٢ ـ بطلان من يزعم أن في الآية دليلا على جواز طلب الاستغفار (٤) من الرسول صلىاللهعليهوسلم لأن
__________________
(١) من في الآية : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ) مزيدة لتقوية الكلام وإفادة العموم.
(٢) تقدم أن الخطاب بصيغة الجمع وإن كان المتحاكمان اثنين فقط فإنّ الحكم عام فيهم وفي غيرهم فكل من يصدر عنه هذا النوع من الذنب فتوبته هي ما ذكر تعالى في هذه الآية.
(٣) قيل إن هذه الآية : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) نزلت في الزبير والأنصاري في قضية سقي البستان إذ اختلفا وأتيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال صلىاللهعليهوسلم للزبير : «اسق يا زبير أرضك ثم أرسل الماء إلى أرض جارك» أي الأوّل فقال الأنصاري : أراك تحابي ابن عمتك ، فتلوّن وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال للزبير : «اسق ثمّ احبس الماء حتى يبلغ الجدر» فنزلت الآية. والحديث في صحيح البخاري.
(٤) وذلك أنه لو كان كل مذنب لا يغفر له إلّا إذا أتى الرسول صلىاللهعليهوسلم واستغفر له لما تاب أحد وللزم أن يبقى الرسول حيا ليستغفر للمذنبين بمثل هذا الذنب ، ولا قائل بها ولا يعقل ولم يشرع أبدا وكل حكاية ذكرت في هذه المسألة فهي باطلة.