بينهم حمزة عم الرسول صلىاللهعليهوسلم وجرح رسول الله في وجهه وكسرت رباعيته وصاح الشيطان قائلا ان محمدا قد مات وفر المؤمنون من ميدان المعركة الا قليلا منهم وفي هذا يقول تعالى : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) (١) ، يريد تنازع الرماة مع قائدهم عبد الله بن جبير حيث نهاهم عن ترك مقاعدهم وذكرهم بأمر رسول الله فنازعوه في فهمه وخالفوا الأمر ونزلوا ، وكان ذلك بعد أن رأوا إخوانهم قد انتصروا واعداءهم قد انهزموا ، (٢) وهو معنى قوله تعالى : (وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ) أي من النصر. (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ (٣) الدُّنْيا) وهم الذين نزلوا الى الميدان يجمعون الغنائم ، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) وهم عبد الله بن جبير والذين صبروا معه في مراكزهم حتى استشهدوا فيها وقوله تعالى (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ) وذلك اخبار عن ترك القتال لما أصابهم من الضعف حينما رأوا أنفسهم محصورين بين رماة المشركين ومقاتليهم فأصعدوا في الوادي هاربين بأنفسهم ، وحصل هذا بعلم الله تعالى وتدبيره ، والحكمة فيه أشار إليها تعالى بقوله (لِيَبْتَلِيَكُمْ) أي يختبركم فيرى المؤمن الصادق من المنافق الكاذب ، والصابر من الجزع ، وقوله تعالى (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) يريد انه لو شاء يؤاخذهم بمعصيتهم امر رسولهم فسلط عليهم المشركين فقتلوهم أجمعين ولم يبقوا منهم أحدا إذ تمكنوا منهم تماما ولكن الله سلم. هذا معنى (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) هذا ما تضمنته الآية الأولى (١٥٢) أما الآية الثانية (١٥٣) فهى تصور الحال التى كان عليها المؤمنون بعد حصول الانكسار والهزيمة (٤) فيقول تعالى (إِذْ تُصْعِدُونَ) أى عفا عنكم فى الوقت الذى فررتم مصعدين في الأودية هاربين من المعركة والرسول يدعوكم من ورائكم الّى عباد الله ارجعوا ، وأنتم فارون لا تلوون على أحد ، أي لا تلتفتوا اليه. وقوله تعالى : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) يريد جزاكم على معصيتكم غما والغم ألم النفس لضيق الصدر وصعوبة
__________________
(١) ال في الأمر : نائبة عن المضاف ، إذ التقدير : في أمركم وشأنكم.
(٢) نعم انهزم المشركون في أوّل المعركة حتى شوهدت نساؤهم مشمرات عن سوقهن هاربات في أعلى الجبل خوفا من الأسر ومن بينهن هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان.
(٣) إرادة الدنيا وحدها غير معصية ، ولكن ما ترتب عنها من ترك طاعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فطالب الدنيا اليوم إذا طلبها من حلّها ولم يخلّ طلبه بواجب ، ولم يحمله على فعل حرام ، لا يأثم ولا يلام.
(٤) لما تمت الهزيمة جلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع بعض أصحابه على صخرة من سفح أحد ، فجاء أبو سفيان فارتفع على نشز من الأرض وقال : أفي القوم محمد؟ فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا تجيبوه ثم قال : أفي القوم ابن أبي قحافة؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم لا تجيبوه ثم قال : أفي القوم عمر؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم لا تجيبوه ، ثم التفت إلى أصحابه وقال أما هؤلاء فقد قتلوا ، فقال له عمر كذبت يا عدو الله فقد أبقى لك الله من يخزيك به ، فقال أعل هبل مرّتين ، فأجابوه بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم قائلين : الله أعلى وأجل ، فقال : لنا العزى ولا عزى لكم ، فقالوا بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم الله مولانا ولا مولى لكم.