(فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) (١) : جزاكم على معصيتكم وفراركم غما على غم. والغم الم النفس وضيق الصدر.
(ما فاتَكُمْ) : من الغنائم.
(وَلا ما أَصابَكُمْ) : من الموت والجراحات والآلام والاتعاب.
معنى الآيتين :
ما زال السياق في أحداث احد فقد تقدم في السياق قريبا نهى الله تعالى المؤمنين عن طاعة الكافرين في كل ما يقترحون ، ويشيرون به عليهم. ووعدهم بأنه سيلقى الرعب فى قلوب الكافرين وقد فعل فله الحمد حيث عزم ابو سفيان على أن يرجع الى المدينة ليقتل من بها ويستأصل شأفتهم فأنزل الله تعالى في قلبه وقلوب اتباعه الرعب فعدلوا عن غزو المدينة مرة ثانية وذهبوا الى مكة. ورجع الرسول والمؤمنون من حمراء الأسد ولم يلقوا أبا سفيان وجيشه. وفي هاتين الآيتين يخبرهم تعالى بمنته عليهم حيث انجزهم ما وعدهم من النصر فقال تعالى : (وَلَقَدْ (٢) صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) ، وذلك أن الرسول صلىاللهعليهوسلم لما بوأ الرماة مقاعدهم. وكانوا ثلاثين راميا وجعل عليهم عبد الله بن جبير أمرهم بأن لا يبرحوا أماكنهم كيفما كانت الحال وقال لهم : إنا لا نزال غالبين ما بقيتم في أماكنكم ترمون العدو فتحمون ظهورنا بذلك ، وفعلا دارت المعركة وانجز الله تعالى لهم وعده ففر المشركون امامهم تاركين كل شىء هاربين بأنفسهم والمؤمنون يحسونهم حسّا أي يقتلونهم قتلا بإذن الله وتأييده لهم ولما رأى الرماة هزيمة المشركين والمؤمنون يجمعون الغنائم قالوا : ما قيمة بقائنا هنا والناس يغنمون فهيّا بنا ننزل الى ساحة المعركة لنغنم ، فذكرهم عبد الله بن جبير قائدهم بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتأولوه ونزلوا الى ساحة المعركة يطلبون الغنائم ، وكان على خيل المشركين خالد بن الوليد فلما رأى الرماة أخلوا مراكزهم الا قليلا منهم كرّ بخيله عليهم فاحتل اماكنهم وقتل من بقى فيها ، ورمى المسلمين من ظهورهم فتضعضعوا لذلك فعاد المشركون اليهم ووقعوا بين الرماة الناقمين والمقاتلين الهائجين فوقعت الكارثة فقتل سبعون من المؤمنين ومن
__________________
(١) الباء قد تكون هنا للمصاحبة أي أصابكم غما مصحوبا بغم ، والغم الأوّل : القتل والجراح ، والثاني الإرجاف بقتل الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولا بأس أن يكون الغمّ الأوّل هو الذى أغموا به الرسول بمخالفتهم إيّاه وأصابهم غم الهزيمة.
(٢) في هذه الآية عود إلى التسلية على ما أصابهم ، وإظهار لاستمرار عناية الله تعالى بهم.