الكافرين وعدهم ربهم سبحانه وتعالى بأنه سيلقي في قلوب الكافرين الرعب (١) وهو الخوف والفزع والهلع حتى تتمكنوا من قتالهم والتغلب عليهم وذلك هو النصر المنشود منكم ، وعلل تعالى فعله ذلك بالكافرين بأنهم اشركوا به تعالى آلهة عبدوها معه لم ينزل بعبادتها حجة ولا سلطانا وقال تعالى : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) وأخيرا مأواهم النار اى محل اقامتهم النار ، وذم تعالى الإقامة في النار فقال ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين ، يريد النار بئس المقام للظالمين وهم المشركون. (٢).
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تحرم طاعة الكافرين في حال الاختيار. (٣)
٢ ـ بيان السر في تحريم طاعة الكافرين وهو أنه يترتب عليها الردة والعياذ بالله.
٣ ـ بيان قاعدة من طلب النصر من غير الله أذله الله.
٤ ـ وعد الله المؤمنين بنصرهم بعد القاء الرعب في قلوب أعدائهم ، إذ هم أبو سفيان بالعودة الى المدينة بعد إنصرافه من أحد ليقضى عمن بقى في المدينة من الرجال كذا سولت له نفسه ، ثم ألقى الله تعالى في قلبه الرعب فعدل عن الموضوع بتدبير الله تعالى.
٥ ـ بطلان كل دعوى ما لم يكن لأصحابها حجة وهي المعبر عنها بالسلطان (٤) في الآية إذ الحجة يثبت بها الحق ويناله صاحبه بواسطتها.
(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ
__________________
(١) الرعب بإسكان العين وطمسها الخوف الذي يملأ النفس خوفا ، لأنّ مادة الرّعب مأخوذة من الماء ، يقال سيل راعب يملأ الوادي ، وكانت هذه الآية ردّا على أبي سفيان لمّا فكر في العودة إلى المدينة بعد انصرافه من أحد إلّا أنّ الله تعالى هزمه بما ألقى في نفسه من الرّعب فعاد إلى مكة ، كما هي بشرى للمؤمنين متى أطاعوا ربهم وثبتهم فإنه يلقى الرعب في قلوب أعدائهم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نصرت بالرّعب مسيرة شهر».
(٢) لقوله تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) والكافرون مشركون بلا شكّ.
(٣) أمّا في حال الإكراه فإنّ من لم يطق العذاب يرخص له في إعطائهم ما طلبوا منه على شرط أن يكون كارها بقلبه ساخطا في نفسه غير راض عنهم ولا عن صنيعهم وذلك للآية : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).
(٤) السلطان : الحجّة لأنّ الحق يؤخذ بالحجة ويؤخذ بالسلطان ، وهل السلطان مأخوذ من السليط وهو ما يضاء به السراج ، وهو دهن السمسم ، وسمي الحاكم سلطانا للاستضاءة به في إظهار الحق وقمع الباطل؟ نعم وجائز.