بها فظلم وعسف ، واستعان من ببغداد من أهل خراسان على يعقوب ، فعزم المعتمد على حربه ، ورجع يعقوب إلى جوار الرّيّ وأخذ يستعدّ. ودخل نيسابور وصادر أهلها ، ثمّ خرج إلى سجستان (١).
وجاءت كتب المعتمد إلى أعيان خراسان بالحطّ على يعقوب وبأن يهتمّوا له. فأخذ يكاتب الخليفة ويداريه ، ويسأله ولاية خراسان وفارس وشرطتي بغداد وسامرّاء ، وأن يعقد أيضا على الرّيّ ، وطبرستان ، وجرجان ، وأذربيجان ، وكرمان ، وسجستان ، ففعل ذلك المعتمد بإشارة أخيه الموفّق. وكان المعتمد مقهورا مع أخيه الموفّق ، فاضطربت الموالي بسامرّاء لذلك وتحرّكوا (٢).
ثمّ إنّ يعقوب لم يلتفت إلى ما أجيب إليه من ذلك ، ودخل خوزستان وقارب عسكر مكرم عازما على حرب المعتمد ، وأخذ العراق منه. فوصلت طلائع المعتمد ، وأقبلت جيوش يعقوب إلى قرب دير العاقول ، ووقع المصافّ ، فبرز بين الصّفّين خشتج أحد قوّاد المعتمد وقال : يا أهل خراسان وسجستان ما عرفناكم إلّا بالطّاعة والتّلاوة والحجّ ، وإنّ دينكم لا يتم إلّا بالاتّباع. وما نشكّ أنّ هذا الملعون قد موّه عليكم ، فمن تمسّك منكم بالإسلام فلينفر عنه. فلم يجيبوه (٣).
وقيل : كان عسكر يعقوب ميلا في ميل ، ودوابّهم على غاية الفراهة ، فوقف المعتمد بنفسه ، وكشف الموفّق أخوه رأسه وقال : أنا الغلام الهاشميّ. وحمل وحمي الحرب ، وقتل خلق من الفريقين ، فهزم يعقوب وأخذت خزائنه ، وما أفلت أحد من أصحابه إلّا جريحا ، وأدركهم الليل فوقعوا من الزّحمة وأثقلتهم الجراح (٤).
وقال أبو السّاج ليعقوب : ما رأيتك ، وما رأيت منك شيئا من تدبير الحرب ، فكيف كنت تغلب النّاس؟ فإنّك جعلت ثقلك وأسراك أمامك ، وقصدت بلدا على قلّة معرفة منك بمخائضه وأنهاره ، وسرت من السّوس إلى
__________________
(١) وفيات الأعيان ٦ / ٤١٢.
(٢) وفيات الأعيان ٦ / ٤١٣.
(٣) وفيات الأعيان ٦ / ٤١٤.
(٤) الكامل لابن الأثير ٧ / ٢٩٠ ، ٢٩١ ، وفيات الأعيان ٦ / ٤١٥.