واعلم أن العلل تنقسم على خمسة أضرب :
ضرب : يستعمله من له معرفة بالقياسات العقلية من الموحدين ، مثاله : ما يعلم ضرورة من كون كل صناعة في الشاهد كالبناء والكتابة محتاجة إلى صانع ؛ لأجل كونها محدثة ؛ فالعلة هي كون الصنعة محدثة ، ومعلولها هو الحاجة إلى الصانع ولهذا وجب بطريقة القياس العقلي أن يكون العالم محتاجا إلى صانع لأجل كونه محدثا.
والضرب الثاني : يستعمله من له معرفة بالقياسات الفقهية ، مثاله : تحريم النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ لبيع الفضة بالفضة متفاضلا ونسأ ؛ لأجل كونها جنسا موزونا فالجنس والوزن هو العلة ، ومعلولها هو تحريم البيع متفاضلا ونسأ ، وكذلك البر بالبر ولهذا وجب من طريق القياس الشرعي إجراء الحكم بذلك في كل ما شارك المنصوص عليه مما عداه في العلة والحكم.
والضرب الثالث : ما يستعمله من له معرفة بوجه الحكمة إذا سئل عن فعل من أفعال الله سبحانه لم فعله؟ ؛ نحو أن يقال : لم خلق الله العالم؟
فنقول : لإظهار الحكمة.
فإن قيل : لم أظهر الحكمة؟
قيل : لأن إظهارها في العقل حسن ، وفعل الحسن في العقل أولى من تركه ، وهذا غاية ما ينتهى إليه بالسؤال في هذه المسألة.
وإذا سئل عما لم يعرف وجه الحكمة فيه ، لم يجب إلا بأن الباري سبحانه حكيم ، والحكيم لا يجب عليه أن يعرّف الناس بعلة كل فعل يفعله ، ولا خلاف في أنه يجب التسليم للحكيم المخلوق ؛ فبأن يجب للباري سبحانه أولى.
[و] (١) الضرب الرابع : يستعمله كل أحد إذا سئل عن أمر لم فعله؟ أو لم لم يفعله؟ فيقول : لأجل كذا صدقا كان أو كذبا ، وشاهد ذلك قول الشاعر :
__________________
(١) ـ زيادة من نخ (ج).