المعتزلة في ذلك مبتدعة (١) في الدين ، [و (٢)] خارجة عن حد العقل ، ومتناقضة.
أما كونها مبتدعة في الدين فلأنه لم يرد بها تعبد ، ولا دل على صحتها من السمع دليل ، وكل مبتدع في الدين ليس له أصل في الكتاب والسنة ؛ فهو من جملة ما حكاه الله سبحانه بقوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) [النجم : ٢٣] ، (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) (١٤٨) [الأنعام].
وأما (٣) كونها خارجة عن حد العقل : فلأنه لا طريق لهم إلى معرفة الجوهر إلا التوهم ، لأقل ما يمكن أن ينقسم إليه الجسم ، والتوهم خارج عن حد العقل ؛ لأن عقول المكلفين من البشر تقصر عن معرفة أجسام الملائكة ـ عليهمالسلام ـ وكثير مما خلق الله سبحانه ، فضلا عن معرفة أصغر جسم أو أكبره.
وأما كونها متناقضة : فذلك ظاهر في قولهم : إن الجوهر أقل الجسم ، وليس بجسم ، وكذلك قولهم : العرض يحل الجوهر وليس بجسم ؛ لأن حد ما يعلم به كون الجسم جسما [جواز] (٤) حلول العرض فيه ، ولذلك يجوز (٥) أن يقال كل شيء حله العرض فهو جسم ، ولأنه يستحيل في العقل والحس ثبوت طويل لا عرض ولا عمق له وإن قل.
وكذلك قولهم : الجوهر يشغل الحيز وليس بجسم ؛ لأن كل شيء يشغل الجهة فقد أحاطت الجهة بجوانبه ، وما كانت له جوانب فهو جسم.
وكذلك قولهم : ليس للجوهر إلا حد واحد وهو يشغل الحيز ؛ لأن ما يشغل الحيز فله
__________________
(١) ـ نخ (أ ، ج) : مبدعة.
(٢) ـ زيادة من نخ (ب ، ج).
(٣) ـ نخ (ب) : فأما.
(٤) ـ زيادة من نخ (ج).
(٥) ـ في (ب) : ولذلك صح.