فعله ومعنى أراد حركة الشيء أنه حركه ، فما أنكرتم أن يكون الجماد فى الحقيقة مريدا لحركة نفسه بمعنى أنه متحرك ، وأن لا يكون للبارى (١) تعالى على الجماد مزية (٢) فى الإرادة ، وأن لا يكون له مزية على من وقع فعله وهو غير مريد له لأنه قد حصل له معنى فاعل كما حصل للبارى تعالى معنى فاعل.
فان قال : فما معنى قوله تعالى : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (٣) قيل له : معنى ذلك أنهما قالتا فى الحقيقة : (أَتَيْنا طائِعِينَ).
ومما يدل من القياس على أن الله تعالى لم يزل متكلما أنه لو كان لم يزل غير متكلم ـ وهو ممن لا يستحيل عليه الكلام ـ لكان موصوفا بضد الكلام ولكان ضد الكلام قديما ولو كان ضد الكلام قديما لاستحال أن يعدم (٤) وأن يتكلم البارى ، لأن القديم لا يجوز عدمه كما لا يجوز حدوثه ، فكان يجب أن لا يكون البارى قائلا ولا آمرا ولا ناهيا على وجه من الوجوه (٥) وهذا فاسد عندنا وعندهم ، واذا فسد هذا صح وثبت أن البارى لم يزل متكلما قائلا.
فان قال قائل : ولم زعمتم أنه لو كان لم يزل غير متكلم
__________________
(١) ل نقلها الناسخ : البارى
(٢) ل : نقلها الناسخ : مريدا
(٣) يقرؤها م «يعدم» فهل يوجد عدم اللازم تمعنى فنى.
(٤) من ٤١ الآية ١١.
(٥) من الممكن أن نسلم مع المؤلف وجوب أن لا يكون قائلا بمعنى الصفة القائمة به ، أما وجوب أن يكون غير آمر أو ناه فلا ، لأنه يجوز أن يكون آمر أو ناهيا على لسان أنبيائه بمقتضى ما يفيض عليهم من العلم بتشريعاته وضرورة تبليغها للخلق.