ذلك أنه يكونه فيثبت الله قولا فى الحقيقة هو المقول له ، كما زعمتم أن لله تعالى إرادة فى الحقيقة هى مراده ، ولو جاز لزاعم أن يزعم هذا جاز الآخر أن يقول أن علم الله تعالى بالشيء هو فعله له.
فان قال قائل : أليس قد قال الله تعالى (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) (١) ولا إرادة للجدار فى الحقيقة وانما قال «يريد» توسعا. والمعنى أنه ينقض قيل له نعم فان قال : فما أنكرتم أن يكون معنى (أَنْ (٢) نَقُولَ لَهُ كُنْ) أى نكونه فيكون؟ قيل له : الفرق بين ذلك الجماد يستحيل مع جماديته أن يكون مريدا والبارى تعالى فى الحقيقة لا يستحيل عليه أن يريد أو يقول ، فلذلك لم يكن قوله : (أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) بمعنى فكونه. وأيضا فلو كان قوله : (أَنْ نَقُولَ لَهُ) ليس معناه اثبات قول له وانما معناه أن نكونه كما أن قوله «جدارا يريد أن ينقض» معناه أن ينقض ، لجاز لزاعم أن يزعم أن (معنى) (٣) قوله «أردناه» : فعلناه ، وهو فى الحقيقة لا يريد فعله. كما أن قوله : «جدارا يريد أن ينقض» معناه أنه ينقض ، وهذا أولى فى حقيقة القياس ، واذا لم يجب هذا لم يجب ما قاله (٤).
ويقال لهم : اذا كان معنى أن الله تعالى أراد فعل الشيء أنه
__________________
(١) س ١٨ الآية ٧٧
(٢) ب وتبعه ل : انقول.
(٣) ليست فى الأصل.
(٤) فى الأصل : «ما قلتموه» وما ذكرناه اولى ليتلاقى مع قوله : «فان قال».