السابقين ، وقد يخالط لذّات هؤلاء شوب من لذّات المقرّبين كما اشير إليه في التنزيل الإلهي في وصف شراب الأبرار ، و (مِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) [٨٣ / ٢٧].
ولكلّ من المراتب المذكورة كمال يخصّه ودرجة من السعادة في الجنّة تخصّه ، كما قال: (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ) [٣ / ١٦٣] وقال : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) [٥٨ / ١١] ، وقال : (لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [٣٩ / ٢٠] (١).
فصل [٥]
قال بعض العلماء (٢) في بيان توزّع الدرجات والدركات في الآخرة على الحسنات والسيّئات بضرب المثل :
«إنّ الناس ينقسمون في الآخرة أصنافا ، وتتفاوت درجاتهم في السعادة والشقاوة تفاوتا لا يدخل تحت الحصر ، كما تفاوتت في سعادة الدنيا وشقاوتها ، ولا تفارق الآخرة الدنيا في هذا المعنى أصلا والبتّة ، فإنّ مدبّر الملك والملكوت واحد لا شريك له ، فسنّته الصادرة عن إرادته الأزليّة مطّردة لا تبديل لها ؛ إلّا أنّا إن عجزنا عن إحصاء آحاد الدرجات ، فلا نعجز عن آحاد الأجناس.
__________________
(١) ـ إلى هنا انتهى المنقول من شرح ابن ميثم.
(٢) ـ إحياء علوم الدين : كتاب التوبة ، كيفية توزّع الدرجات والدركات : ٤ / ٣٥ ـ ٤٧ ـ.